صفرو

السينما والمنسي.. ندوة علمية تكشف المسكوت عنه في مهرجان سينما الشعوب

صفاء أحمد آغا : إيموزار كندر / المملكة المغربية

في إطار برنامجها الفكري الموازي، احتضنت الدورة الـ21 لمهرجان سينما الشعوب، الممتدة من 27 إلى 30 نونبر 2025، ندوة علمية وازنة حملت عنوان “السينما والمنسي”، شارك فيها نخبة من الأكاديميين والباحثين في مجالات الصورة والسينما والفلسفة. وقد شكلت الندوة لحظة فكرية مميزة داخل فعاليات المهرجان، لما أثارته من نقاشات عميقة حول تمثلات الهامش، والذاكرة، والمسكوت عنه داخل الخطاب السينمائي المغربي.

عبد الحفيظ الريح… تأطير أكاديمي يقود نحو عمق السؤال السينمائي

أطّر الندوة الأستاذ عبد الحفيظ الريح، الذي استهل الجلسة بكلمة تمهيدية أبرز فيها أن الاشتغال على “المنسي” داخل السينما ليس مجرد اختيار جمالي، بل هو خطوة نحو إعادة الاعتبار لصوت ظل لسنوات خارج الإطار. واعتبر أن السينما، كونها فنًا بصريًا، تُعد من أقوى الوسائل القادرة على إعادة تشكيل ذاكرة الجماعة وتفكيك الصور النمطية التي رسختها المؤسسات التقليدية.

محمد البكار… حوار “المنسي والمهمش” في سينما حكيم بلعباس

قدّم الأستاذ محمد البكار ورقة بحثية بعنوان:
“حوار المنسي والمهمش في فيلم لو كان يطيحوا الحيوط للمخرج المغربي حكيم بلعباس”.
واستعرض من خلالها كيفية اشتغال بلعباس على السرد غير التقليدي، واعتماده على لغة الصورة أكثر من الحوار، لفكّ جدران الصمت حول فئات اجتماعية تعيش على الهامش. وأوضح أن الفيلم يبني جمالياته على التقاط التفاصيل الصغيرة التي تبدو عابرة، لكنها تختزن عوالم كاملة من المعنى والذاكرة.

فدوى مساوي… السينما كأداة لاستعادة الذاكرة

وفي مداخلة عميقة حملت عنوان:
“السينما والمنسي المهمش واستعادة الذاكرة في الخطاب البصري: مقارنة فلسفية”،
سلّطت الأستاذة فدوى مساوي الضوء على الوظيفة الوجودية للسينما في استرجاع ما أبعدته المؤسسات من الذاكرة الجمعية. وانطلقت من مقاربات فلسفية متعددة لتبيان كيف تتحول الشاشة إلى مجال للتفاوض بين الذاكرة الرسمية والذاكرة الشعبية، معتبرة أن عرض المنسي ليس فعلًا بصريًا محضًا، بل موقفًا أخلاقيًا وجماليًا.

سفيان المعروفي… جماليات القبح كخطاب مقاومة

أما الأستاذ سفيان المعروفي فقدم ورقته الموسومة بـ:
“جمالية القبح في سينما هشام لعسري”،
حيث تناول أسلوب المخرج هشام لعسري في تفكيك الواقع عبر ما أسماه بـ”جماليات الصدمة”، معتبرًا أن القبح في أعمال لعسري ليس إساءة جمالية، بل وسيلة لفضح البنى الاجتماعية والسياسية التي تنتج الهامش. وأشار إلى أن هذه الجمالية الصادمة تُرغم المتلقي على إعادة النظر في الصور المألوفة التي تطمس الحقيقة.

بوجمعة العوفي… تمثلات المهمش والمسكوت عنه

واختتم الندوة الأستاذ بوجمعة العوفي بورقة بحثية بعنوان:
“السينما المغربية والمنسي: تمثلات المهمش والمسكوت عنه في الصورة الفيلمية”.
وتطرق العوفي إلى حضور الهامش في السينما المغربية منذ بداياتها، مشيرًا إلى أن التحولات الاجتماعية والسياسية الأخيرة دفعت العديد من السينمائيين إلى إعادة التفكير في سردياتهم، عبر منح أدوار مركزية لشخصيات كانت مهمشة أو في موقع الصمت. واعتبر أن تمثيل هذه الفئات يُعد خطوة لإعادة صياغة الذات الجماعية.

نقاش فكري أغنى الدورة وعمّق رسائل المهرجان

تميزت الندوة بنقاش تفاعلي بين المتدخلين والجمهور، تطرق إلى أسئلة جوهرية حول دور السينما في حفظ الذاكرة، وفي مساءلة الواقع الاجتماعي، وإبراز من تم إقصاؤهم من الخطابات الرسمية. كما اعتُبرت الجلسة إضافة نوعية للدورة 21، التي رفعت شعار الاحتفاء بالإنسان وقضاياه، بعيدًا عن الأضواء التقليدية.

وبهذا تكون الندوة العلمية “السينما والمنسي” قد رسخت المكانة الفكرية لمهرجان سينما الشعوب، مؤكدة أن السينما ليست مجرد عروض فنية، بل فضاء للتأمل، والبحث، وإعادة كتابة ما طمسته الذاكرة العامة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى