العالم

هل أنقذت ولاية الفقيه إيران أم قادتها إلى العزلة؟

بين شعارات الثورة الإسلامية وأوهام الشرعية المطلقة، تواجه إيران اليوم وضعا صعبا داخلياً وخارجياً، وسط حرب طاحنة مع اسرائيل وامريكا وحلفاء يكتفون بالبيانات التنديدية.

ولاية الفقيه بين التمكين والتكلفة

تُعتبر نظرية ولاية الفقيه ركيزة أساسية تؤطر الممارسة السياسية للنظام الإيراني. لكنها، رغم قوتها، قد تكون أحد أسباب هزيمة إيران في حربها مع إسرائيل. فما هي منطلقاتها الإيديولوجية التي ساعدت النظام على تثبيت أركانه؟ وهل بدأت تظهر عواقبها الوخيمة في ظل هذه الحرب المستعرة؟

تصفية الحلفاء بعد الثورة

خلال المراحل التي مرّ بها التاريخ السياسي لإيران، يُعتبر النظام الحالي من أعقد الأنظمة التي تعاقبت على بلاد فارس. فرغم القوة العسكرية التي بلغتها إيران، يظل التساؤل مطروحًا: كيف صفّى النظام الإيراني حلفاءه من الإسلاميين المعتدلين واليساريين الذين ساهموا كثيرًا في إسقاط نظام الشاه؟

فرغم ما أظهره النظام من قوة، لم تكن تلك القوة وحدها كافية للصعود إلى سدّة الحكم. ولولا تحالفه مع قوى اليمين واليسار، لكان انتهى به المطاف تحت وطأة النظام السابق. غير أن النظام، ووفقًا للنظرية التي تؤطره، والتي جوهرها الانفراد بالحكم واعتبار الإمام أعلى سلطة تؤدي دور “نائب المهدي المنتظر”، قام بتصفية حلفائه السياسيين بعد الثورة، لتتحول إيران إلى واجهة للإعدامات والاعتقالات والنفي.

هيمنة مطلقة باسم الدين

في نظام ذي طابع شمولي، كانت هذه التصفيات السياسية تهدف إلى توجيه رسائل واضحة مفادها: لا مجال للتعددية أو المعارضة السياسية، والولاء المطلق للنظام واجب لا يُناقش.

وفي المقابل، استُغلّت أوضاع الشعب المزرية تحت حكم الشاه، وعلّق الإيرانيون آمالهم على قوى وعدت بتغيير الأوضاع الاقتصادية الصعبة وإنهاء الاستغلال. لكن يبقى السؤال مطروحًا: هل حقق الشعب الإيراني ما كان يصبو إليه، رغم غض الطرف عن المجازر التي طالت المعارضين والحلفاء؟

الشورى والعدل… مفاهيم مُغيبة

إن هذه الممارسة السياسية يجد لها النظام الإيراني تبريرًا في قاعدة أيديولوجية دينية تنزع نحو تقزيم الديمقراطية وإلغاء التعددية. غير أن التساؤل الجوهري يظل قائمًا: هل يتوافق ذلك مع مبادئ الدين الإسلامي في الشورى والعدل، وهما مفهومان راسخان في المرجعية الإسلامية؟ وهل صوّت المسلمون فعلًا ليكون خامنئي خليفة؟ أم أن المنصب فُرض بقوة السلاح والنار؟

الداخل الممسوك… والخارج المعادي

لقد منح اعتماد نظرية ولاية الفقيه النظام الإيراني قوة دينية في الأوساط الشعبية، كما وفّر له تبريرًا لتصفية خصومه السياسيين. وكانت النتيجة تثبيت أركان الحكم داخليًا. إلا أن هذه النظرية، رغم ما قدّمته، تفتح عليه أبوابًا خطيرة، قد تبدأ نتائجها بالظهور بشكل أوضح في الحرب الجارية مع إسرائيل.

ورغم الغطاء الديني الذي منحته هذه النظرية للنظام، فقد تحولت في المقابل إلى عبء ثقيل على علاقاته الدولية والإقليمية. فقد أدت إلى عزلته المتزايدة على الساحة العالمية، وأشعلت عداءً مفتوحًا مع معظم دول العالم الإسلامي ذات الغالبية السنية، وخاصة في الشرق الأوسط والمغرب العربي.

نفوذ مذهبي… يرتد على صاحبه

سعى النظام، مستندًا إلى هذه العقيدة، إلى تصدير مشروعه السياسي والعقائدي إلى دول مثل العراق ولبنان واليمن، مستغلًا هشاشتها الداخلية لبسط نفوذه عبر طائفية تدين له بالولاء. إلا أن هذه الدول، التي كانت في السابق أوراق ضغط بيده، قد تتحول اليوم إلى ساحات ارتداد استراتيجية.

ومع تصاعد الحرب مع إسرائيل، قد تجد هذه الدول نفسها مدفوعة — بدوافع مصلحية أو ضمن تنسيق مع قوى خارجية — للدفع بإيران نحو الهاوية، من خلال مسارات تطبيع جديدة، أو تحالفات مباشرة أو غير مباشرة مع تل أبيب.

عقيدة العداء… واستنزاف الدولة

لقد أدى اعتماد النظام الإيراني على ولاية الفقيه إلى خلق شبكة عداء واسعة، لم تقتصر على الغرب، بل شملت أيضًا محيطه الإسلامي والعربي. فالعقيدة القائمة على التبشير السياسي والهيمنة المذهبية دفعت العديد من الدول إلى الحذر، ثم إلى التحالف — علنًا أو سرًا — مع أطراف تعادي طهران. وفي ظل الحرب مع إسرائيل، تتحول هذه العداوات المتراكمة إلى شبكة معقّدة من الضغوط التي قد تلتف على عنق النظام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى