المغرب

قنينة خمر تفضح عجز الأغلبية عن دفع ثمن المصداقية

لم يعد المشهد السياسي في بلادنا بحاجة الى مسرحيات جديدة ليكشف عن عوراته، فقد تكفل نائب برلماني من الأغلبية الحكومية بكتابة فصل هزلي في ملهى ليلي بضواحي الرباط. القصة باختصار، ممثل الشعب اختار أن يخلد الليل في حضرة الكؤوس، قبل ان يتحول إلى مادة دسمة للتهكم بعدما رفض دفع ثمن قنينة خمر باهظة، ليجد نفسه مطرودا شر طردة من قبل حراس الملهى.

الحادثة في ظاهرها بسيطة، لكنها في العمق تكشف حجم الهوة بين الخطاب السياسي المتخم بالوعود الأخلاقية وبين الواقع المليء بالفضائح. هذا البرلماني، الذي يفترض فيه أن يكون نموذجا للنزاهة والجدية، يتحول أمام الملأ إلى زبون مشاغب في ملهى، يعجز عن أداء ما استهلكه، في سلوك لا يختلف عن عقلية كثير من الأحزاب التي تجيد الاستهلاك والركوب على شعارات دون أن تدفع ثمنها من الصدق والمحاسبة.

المثير للسخرية أن هذا النوع من الممارسات لا يعد استثناء، بل هو جزء من ثقافة سياسية رسختها أحزاب تعتبر البرلمان مجرد مقعد للوجاهة الاجتماعية وفرصة للتسلل الى الامتيازات. وما جرى في تلك الليلة الصاخبة هو مجرد نسخة مصغرة من واقعنا السياسي: وعود بلا مقابل، شعارات بلا رصيد، وأداء باهت يحاول الاختباء وراء ضجيج الخطابات.

هكذا يجد المواطن نفسه بين ممثلين يتحدثون عن الشفافية في النهار ويعيشون حياة الترف والعبث في الليل. أما الأحزاب التي يفترض أن تحاسب وتؤطر، فهي تفضل الصمت، وربما التستر، ما دام السلوك الفاضح صادرا من “ابن الدار” المحمي بالانتماء السياسي.

النتيجة أن صورة البرلمان تتآكل، وصوت السياسة يفقد ما تبقى له من مصداقية. فإذا كان ممثل الشعب يتعثر في دفع فاتورة كأس، فكيف له أن يسدد ديون التنمية، وكيف له أن يقود مشاريع الإصلاح؟ في النهاية، مشهد الملهى لم يكن سوى مرآة عاكسة لحالة الأحزاب: كثير من الكلام، قليل من الفعل، وصفر في الحساب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى