عملية إنزكان… ضربة استباقية تعيد الثقة إلى القضاء

مرة أخرى، يكشف العمل الاستباقي للنيابة العامة والمصالح الأمنية بإنزكان عن تحول نوعي في مواجهة ظاهرة “سماسرة المحاكم”، التي لطالما هزت ثقة المواطنين في العدالة. فقد أطاحت عملية محكمة بثلاثة أشخاص تورطوا في ابتزاز متقاضين مقابل وعود زائفة بالتدخل في مآل ملفاتهم القضائية.
تفاصيل العملية التي جرت بدقة عالية، كشفت عن قيام أحد المتهمين بطلب مبلغ مالي بلغ 40 ألف درهم مقابل التوسط في ملف قضائي معروض أمام المحكمة، مدعيا امتلاكه علاقات نافذة داخل الجهاز القضائي. الأهم في هذه العملية، أن التوثيق تم بطريقة حاسمة عبر محادثات صوتية، ما قطع الطريق على أي تأويل أو نفي.
وراء هذا التحرك الصارم، تبرز إرادة قوية من طرف وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بإنزكان، الدكتور هشام الحسني، لفرض منطق الشفافية وتعزيز الرقابة داخل محيط العدالة. فظاهرة السماسرة لا تقتصر على الابتزاز، بل تمتد لتقويض مبدأ المساواة أمام القانون، عبر منح الأفضلية لمن يدفع أكثر أو يعرف من يتدخل.
إن اعتقال السماسرة الثلاثة وإيداعهم السجن لا يمثل فقط إنفاذا للقانون، بل يحمل رسالة واضحة لكل من يحاول الاتجار في ثقة المتقاضين، بأن زمن الإفلات من العقاب قد ولى. كما يعكس إصرارا من النيابة العامة على تجفيف منابع الفساد من الداخل، لا الاكتفاء بردود الفعل بعد فوات الأوان.
هذه العملية، ورغم محدودية عدد المتورطين، إلا أنها تعكس مشهدا أوسع من التحول المؤسساتي الجاري داخل العدالة المغربية، حيث لم يعد هناك تسامح مع الوسطاء غير الشرعيين الذين يتلاعبون بمصير المواطنين، مستغلين ضعف المعرفة القانونية والحاجة إلى الانصاف.
في الخلاصة، فإن ما حدث في إنزكان هو نموذج ينبغي تعميمه وطنيا، لأن القضاء العادل لا يحتاج إلى وسطاء، بل إلى مؤسسات قوية وشفافة، تضمن للجميع الحق نفسه والفرصة نفسها، دون وساطة أو تزكية.