أقلام حرةالعالمالمغرب

عقيد جزائري يطلب اللجوء السياسي في سويسرا: انكشاف آخر لبنية النظام الأمني القمعي في الجزائر

في خطوة لافتة تُعد من أخطر الانشقاقات التي يعرفها النظام الجزائري منذ سنوات، تقدّم ضابط رفيع في جهاز الاستخبارات الخارجية الجزائرية، يُعرف باسم العقيد “أنيس” أو “مروان”، بطلب لجوء سياسي في سويسرا، بعد فراره من مقر عمله في السفارة الجزائرية بروما، حيث كان يشغل منصب رئيس مكتب الأمن والاتصال. هذه الخطوة، وإن تم التكتم عليها رسميًا، كشفت مرة أخرى هشاشة النظام الأمني الجزائري، وطبيعته القائمة على الخوف والملاحقة لا الثقة والانفتاح.

العقيد “مروان”، الذي يعدّ من بين أبرز خمسة ضباط نفوذًا في جهاز الاستخبارات الخارجية المعروف باسم DGDSE، فضّل مواجهة مصير المجهول في المنفى بدل العودة إلى الجزائر، حيث كان مهددًا بالمحاكمة أمام المحكمة العسكرية بالبليدة بتهم قد تكون جاهزة، على شاكلة “العصيان” أو “الإفشاء بمعلومات سرية”. مصادر متعددة تحدّثت عن أنه كان على اطلاع مباشر بملفات شديدة الحساسية، من ضمنها شبكات النفوذ المرتبطة بأبناء الرئيس عبد المجيد تبون، وعلاقات استخباراتية معقدة تربط الجزائر بإيطاليا.

لكن الأهم من تفاصيل اللجوء، هو ما يعكسه هذا الانشقاق من طبيعة النظام الجزائري نفسه. فأن يفرّ ضابط في هذا المستوى، ويتخلى عن جهاز شديد السرية، ويطلب حماية دولة أوروبية، فذلك لا يعكس فقط صراع أجنحة أو خوفًا شخصيًا، بل يعري النظام من الداخل، ويفضح مناخ الشك والملاحقات الذي يسود داخل أروقة الدولة العميقة. لم يعد القمع في الجزائر موجهاً فقط للمعارضين أو الناشطين أو الصحافيين، بل أصبح يطال رجالات النظام أنفسهم، حين تسقط عنهم مظلة الولاء أو يُشتبه في أنهم يعرفون أكثر من اللازم.

هذه الحادثة أعادت إلى الأذهان سابقة الضابط محمد سمراوي في التسعينيات، حين طلب اللجوء في ألمانيا وكشف عن خروقات مروعة داخل جهاز الاستخبارات العسكرية آنذاك. وها هو التاريخ يعيد نفسه، في مشهد جديد، يعكس نظامًا لا يزال مسكونًا بهاجس المؤامرة، ويُدير أجهزته بعقلية تصفية الحسابات لا بمنطق دولة القانون.

في الوقت الذي تتحدث فيه الجزائر رسميًا عن إصلاحات سياسية ومؤسساتية، يكشف هذا اللجوء أن البنية الحقيقية للنظام لم تتغير: دولة يحكمها الخوف، وتُدار بقبضة أمنية لا ترحم، حتى أقرب رجالها.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بحدة: كم من العقيد “مروان” لا يزال صامتًا في الداخل؟ وكم من مسؤول أمني ينتظر فقط فرصة للفرار، قبل أن يقع في مصيدة التصفيات أو المحاكمات المعلبة؟ يبدو أن الجزائر لم تُعد فقط بلدًا يُقمع فيه المعارضون، بل أصبح قصرًا زجاجيًا يتصدع من الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى