سبعة ملايين مغربي خارج “الزمن الافتراضي”

رغم تغلغل الهواتف الذكية في جيوب المغاربة، وتحوّل التطبيقات الاجتماعية إلى منصات شبه رسمية للخبر، والاحتجاج، وحتى العزاء، إلا أن الحقيقة الصادمة تكشف أن ما يقارب سبعة ملايين مغربي ما زالوا خارج أسوار الفضاء الرقمي، وكأنهم يعيشون في زمن موازٍ لا تصل إليه “إشعاعات الواي فاي”.
تقرير حديث يرصد هذا الواقع، ويكشف أن 19% من السكان لا يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، لأسباب متعددة لا تنحصر فقط في ضعف البنية التحتية، بل تتجاوزها إلى العزلة الثقافية، والهوة التعليمية، والفقر التكنولوجي.
ليست الفجوة الرقمية مجرد رقم عابر، بل مرآة حقيقية لفجوة اجتماعية أعمق. فالذين لا يتصلون بالإنترنت هم في الغالب من كبار السن، النساء في البوادي، والأميين، وهي الفئات نفسها التي تعاني من الإقصاء في دوائر أخرى: التعليم، الصحة، المشاركة السياسية.
المدهش أن المغرب، الذي يقود مشاريع ضخمة في مجال الرقمنة الإدارية والتحول الرقمي للخدمات، ما زال يحمل على كتفيه مجتمعا رقميا منقوصاً، فيه جزء حاضر بنقرة، وآخر غائب بصمت.
في القرى النائية، لا يُطرح سؤال “هل تستخدم إنستغرام؟”، بل “هل تملك هاتفًا يعمل؟”، و”هل تصل شبكة الاتصالات إلى بيتك؟”. وفي بعض الأحياء المهمّشة داخل المدن، الاتصال بالأنترنت يكون بالتقسيط، بالبطاقات، وفي المقاهي الشعبية، حيث يتحول الدخول إلى فيسبوك إلى رفاهية أسبوعية.
من زاوية أعمق، يُطرح سؤال المواطنة الرقمية: كيف ننتظر من مواطن أن يُحمّل تطبيقًا لتقديم شكاية ضد فساد إداري، بينما لا يملك رصيدًا هاتفيًا ولا يفقه كتابة اسمه؟ كيف نُشجّعه على تتبع مداولات جماعته عبر البث المباشر، وهو لا يعرف معنى “بث مباشر”؟
هؤلاء الملايين السبعة لا يحتاجون فقط إلى “ألياف بصرية” تصل إلى منازلهم، بل إلى سياسات عمومية تصل إلى وعيهم، وتمنحهم شعورًا بأنهم جزء من الزمن الرقمي لا غرباء عنه. فالتنمية الرقمية لا تبدأ من التطبيقات، بل من الوعي، من الكرامة الرقمية، من الحق في الاتصال.
لذلك، فإن هذا الرقم ليس مجرد مؤشر إحصائي، بل جرس إنذار اجتماعي. وإذا كان المغرب يريد أن يرقمن إدارته واقتصاده وإعلامه، فعليه أولًا أن يرقمن مجتمعه بالكامل… لا أن يترك سبعة ملايين خارج التغطية.