العالم

رحيل زياد الرحباني… الصوت الذي صاغ فلسفة الناس بالموسيقى

غاب زياد الرحباني، وغابت معه نغمة كانت تشبه الحياة بكل تناقضاتها. في عمر ناهز 69 عاما، أسدل هذا الفنان اللبناني الستار على فصل استثنائي من تاريخ الموسيقى العربية، لم يكن فيه مجرد ملحن أو شاعر، بل ضمير حي، ومثقف ساخر، ومرآة عميقة لمجتمعاتنا.

زياد لم يركض يوما خلف الأغنية السهلة، بل حمل عوده وكلماته ودخل في اشتباك يومي مع السياسة، مع القهر، مع الفقر، ومع هشاشة الواقع. كانت أغانيه تمشي في شوارع بيروت كما الناس، تتكلم لغتهم، وتحتج بصوتهم، وتسخر حين تعجز اللغة عن الصراخ.

في “أنا مش كافر” كان يعلن قلقه الوجودي، وفي “بما إنو” كان يسخر من الفساد، وفي كل حواره المسرحي كان يزرع فينا وعيا حادا، دون خطاب مباشر، بل بموسيقى تحمل السؤال أكثر من الجواب.

رفض زياد أن يكون امتدادا تقليديا لمدرسة الرحابنة، رغم عبقريته الموسيقية، فشق مسارا خاصا به، تقاطع فيه النغم مع الفلسفة، واللحن مع الموقف، والقصيدة مع الشارع. كان وفيا لقضايا الطبقة المسحوقة، من دون شعارات، فقط بحقيقة فنه.

زياد لم يكن فقط ابن فيروز، كان ابن هذا الزمن، بكل مآسيه وأحلامه المكسورة. واليوم، وهو يغادر بصمت، يترك وراءه ثورة موسيقية لن تنطفئ، لأن من كتب للناس، وبالناس، يبقى في الذاكرة، حتى لو خفت صوته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى