الكوطا النسائية بين الإنصاف القديم والتمييز الجديد

أعاد تصريح عبد الإله بن كيران حول ضرورة أن “تصل المرأة إلى البرلمان بدراعها” النقاش حول نظام الكوطا النسائية الذي وُضع قبل سنوات كآلية لتشجيع مشاركة النساء في الحياة السياسية.
لكن اليوم، وبعد تحولات اجتماعية وتعليمية كبيرة، يبرز سؤال مشروع: هل ما زال نظام الكوطا مبرراً؟ أم أنه تحوّل إلى تمييز عكسي يضر بمبدأ المساواة الحقيقي؟
فالمجتمع المغربي تغيّر كثيراً. النساء اليوم يشكلن الأغلبية في الجامعات، ويحصلن على نتائج أفضل في التعليم، ويتفوقن في مباريات التوظيف. قطاع التعليم، مثلاً، صار يغلب عليه العنصر النسائي، ونسبتهن تتزايد في المهن الحرة، القضاء، والإدارة. إذن الحديث عن “ضعف الفرص” لم يعد دقيقاً كما كان قبل عقدين.
نظام الكوطا في بدايته كان ضرورياً، لأنه كسر الحاجز النفسي والسياسي أمام مشاركة النساء. لكن الإبقاء عليه بعد أن تغيرت المعادلة يجعلنا نعيد التفكير في فلسفته:
هل نريد تمثيلية رمزية بالأرقام، أم نريد كفاءات حقيقية تُنتخب بإرادة الناس؟
حين يطالب بن كيران بأن “تجي المرأة بدراعها”، فالمعنى الحقيقي ليس انتقاصاً من قدر النساء، بل دعوة إلى تكريس مبدأ المنافسة النزيهة للجميع. لأن الكوطا، وإن كانت نية أصحابها نبيلة، أصبحت في بعض الحالات بوابة لتعيين أشخاص لمجرد انتمائهم إلى فئة، لا بسبب كفاءتهم.
المساواة الحقيقية لا تتحقق بتخصيص مقاعد مسبقة، بل بفتح نفس الباب أمام الرجل والمرأة، وترك صناديق الاقتراع تحكم. فكما تُحاسَب المرأة الكفؤة حين تفشل، يجب أن تُكافأ حين تنجح.
لقد تجاوز المغرب مرحلة كان فيها التمييز الإيجابي ضرورة. اليوم، لدينا نساء ناجحات في كل المجالات دون كوطا، أثبتن أن الكفاءة لا جنس لها.
وبالتالي، استمرار العمل بهذا النظام قد يصبح تمييزاً مقلوباً، يُضعف مبدأ العدالة بدل أن يعززه.
إن الوقت قد حان لنُعيد النظر في الكوطا، لا من منطلق رفض مشاركة النساء، بل من منطلق احترام عقول الناخبين وتكريس تكافؤ الفرص.
فالوطن لا يبنى بالكوطا، بل بالكفاءة… رجلاً كان أو امرأة.




