السمارة على ابواب تحول استراتيجي.. معبر امگالا والطريق نحو امگرين يمهدان لنهوض محور تجاري يعيد احياء طرق القوافل التاريخية

تشهد اقليم السمارة خلال الاشهر الاخيرة دينامية متسارعة ستغير وجه المنطقة ومكانتها في الخريطة الاقتصادية للمملكة، بعد الاعلان عن قرب الانتهاء من اشغال معبر امگالا الحدودي والطريق الرابط بين السمارة المغربية وامگرين الموريتانية. مشروعان استراتيجيان يعيدان رسم ملامح الربط البري بين المغرب وعمقه الافريقي، ويمهدان لتاسيس منطقة لوجيستيكية واعدة بالمدينة، تعيد الى الحياة مسارات القوافل التاريخية التي شكلت لقرون شرايين للتجارة والثقافة عبر الصحراء.
هذا التحول لا ينفصل عن رؤية مغربية بعيدة المدى تهدف الى تعزيز الحضور الاقتصادي للمملكة داخل غرب افريقيا، عبر بوابة الصحراء التي تعود اليوم لاستعادة دورها كجسر تجاري طبيعي يربط شمال القارة بجنوبها. فالممر الجديد بامگالا، والطريق المؤدية الى موريتانيا، يمثلان خطوة عملية نحو فك العزلة عن مناطق كانت الى وقت قريب خارج دائرة الاستثمار واللوجستيك، ودمجها ضمن شبكة الطرق الكبرى ذات البعد الاستراتيجي.
البعد اللوجيستيكي للمشروع يبدو حاسما، اذ من المنتظر احداث منطقة لوجيستيكية بالسمارة ستشكل منصة متعددة الخدمات، موجهة لتسهيل عمليات النقل والتخزين وتبادل البضائع بين المغرب واسواق غرب افريقيا. هذه المنطقة، اذا ما استوفت كامل شروطها التقنية والتنظيمية، يمكن ان تتحول الى نقطة ارتكاز لتدفقات تجارية مهمة، خصوصا مع تزايد الطلب على مسارات برية امنة وسريعة تربط شمال القارة بغربها.
وليس خافيا ان المغرب يستثمر منذ سنوات في البنيات التحتية المؤهلة لربط الجنوب بالمراكز الاقتصادية الكبرى، من ميناء الداخلة الاطلسي، الى المحاور الطرقية والطاقية، مرورا بالمناطق الصناعية واللوجيستيكية. واليوم، تبدو السمارة في قلب هذه الرؤية، ليس فقط باعتبارها نقطة عبور، بل كمدينة مرشحة للتحول الى مركز تجاري له وزنه، وقادر على خلق فرص عمل جديدة وحركية اقتصادية تعود بالنفع على ساكنتها.
لكن الاهمية الاكبر تكمن في البعد الجيو اقتصادي. فالمبادرة تعزز استقلالية المغرب في بناء طرق تجارية آمنة ومباشرة مع الدول الافريقية، بعيدا عن الهشاشة التي قد تفرضها المعابر التقليدية او الاضطرابات الاقليمية. كما تمنح المملكة قدرة اكبر على ضبط سلاسل التوريد وتطوير التجارة العابرة للقارات، مستفيدة من موقعها كقوة اقليمية تربط اوروبا بافريقيا.
ومن زاوية تاريخية، يعد هذا المشروع استعادة لروح الطرق الصحراوية القديمة التي كانت تربط وادي نون ودرعة وتافيلالت بتمبكتو ووادان وشمال نيجيريا. تلك الشبكات القديمة، التي ازدهرت عليها حركة التجارة والعلوم والتبادل البشري، تعود اليوم في صيغة عصرية تعتمد الهندسة والبنيات الكبرى، لكنها تحافظ على جوهرها: ربط الانسان بالمجال وخلق قيمة اقتصادية واجتماعية متبادلة.
ومع اقتراب انهاء الاشغال، ينتظر الجميع كيف ستترجم هذه المشاريع على الارض، وما اذا كانت السمارة ستنجح في ترسيخ نفسها كقطب لوجيستيكي جديد ضمن خارطة التنمية الوطنية. المؤشرات مبدئية تبدو واعدة، لكن نجاح الرؤية يظل مرهونا باستدامة الاستثمارات، وتكامل المشاريع، وتوفير مناخ اقتصادي قادر على استقطاب المقاولات المغربية والافريقية والدولية.
ما يحدث اليوم في السمارة ليس مجرد اشغال طرقية، بل اعادة رسم لممر استراتيجي سيعيد توجيه حركة التجارة جنوبا، ويمنح المغرب نافذة اوسع على افريقيا، ويعيد الحياة لطرق عريقة ظلت قرونا شاهدة على تفاعل حضاري وتجاري لا ينقطع.




