الحمى… نظام بيئي متجذر في التاريخ يحمي الأرض ويؤمن المستقبل

الحمى ليس مجرد مصطلح تراثي، بل هو نظام بيئي متكامل عرفته المجتمعات العربية منذ قرون، وتبنته الحضارة الإسلامية كجزء من رؤيتها لإعمار الأرض وحماية مواردها. يقوم هذا النظام على تخصيص مساحات من المراعي أو الغابات أو مصادر المياه كمناطق محمية، تمنع فيها الممارسات التي تهدد التوازن البيئي، مثل الرعي الجائر أو الصيد غير المنظم أو قطع الأشجار.
هذا التقليد، الذي نشأ في بيئات رعوية وزراعية، أثبت فعاليته عبر التاريخ في تحقيق الأمن الغذائي والحفاظ على التنوع البيولوجي. ففي زمن كانت الموارد الطبيعية محدودة والضغط عليها كبيرا، شكل الحمى آلية ذكية لضمان تجدد الغطاء النباتي، وتوفير الكلأ للحيوانات، وحماية التربة من الانجراف، فضلا عن حماية مصادر المياه من الجفاف أو التلوث.
وقد منح الإسلام لهذا النظام بعدا أخلاقيا وقانونيا، إذ جعل الحمى أمانة في يد المجتمع، تدار لصالح الجميع لا لمصلحة فرد أو فئة. فكان يحدد بإشراف السلطة أو القبيلة، مع وضع قواعد صارمة لاستغلاله بعد فترات الحماية، بحيث تتحقق الاستدامة وتستفيد منه الأجيال المتعاقبة.
في عالم اليوم، ومع ما نشهده من تحديات بيئية متفاقمة، بدءا من التصحر وفقدان الغطاء النباتي، مرورا بندرة المياه وتراجع التنوع البيئي، وانتهاء بتغير المناخ، يكتسب إحياء نظام الحمى أهمية استراتيجية. فهو يقدم نموذجا عمليا مستمدا من خبرة الأجداد، يمكن دمجه مع السياسات البيئية الحديثة وخطط التنمية المستدامة.
إن إعادة إحياء الحمى ليست مجرد حنين إلى الماضي، بل استثمار في المستقبل، حيث يعاد التوازن بين الإنسان والطبيعة. فحين تحمى الأرض والماء والحياة البرية وفق منظومة قيمية تحترم البيئة، فإن المجتمعات تضمن أمنها الغذائي، وتحافظ على ثرواتها الطبيعية، وتورث الأجيال القادمة بيئة سليمة قادرة على العطاء.
إنه درس من التاريخ، ورسالة للحاضر، وخارطة طريق للمستقبل: حماية ما تبقى من مواردنا الطبيعية ليست خيارا، بل ضرورة وجودية، والحمى أحد أكثر النماذج كفاءة لتحقيق هذه الغاية.