أقلام حرةالرباطالعالمالمغرب

البوليساريو في مرمى الاستخبارات الإسبانية… هل انكشفت الخيوط الإرهابية في الساحل؟

لم يعد التداخل بين معسكرات تندوف وخلايا الإرهاب في منطقة الساحل مسألة تحليلية تخمينية، بل تحوّلت، وفق معطيات جديدة، إلى وقائع موثّقة تؤرق عواصم أوروبية، وفي مقدمتها مدريد. فبينما كانت جبهة البوليساريو تحاول تثبيت حضورها السياسي عبر واجهات دبلوماسية، جاء تقرير استخباراتي إسباني حديث ليدق ناقوس الخطر، مشيرًا إلى تورط عناصر من الجبهة في أنشطة مرتبطة بالجماعات الإرهابية المتطرفة في منطقة الساحل، خاصة المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.

التقرير الصادر عن المركز الوطني للاستخبارات (CNI) لم يكتف بالتحذير العام، بل ذهب إلى حد تسمية الظاهرة بمصطلحات أمنية دقيقة: “الاختراق الجهادي لمعسكرات تندوف”، و”القابلية التنظيمية لعناصر البوليساريو داخل الجماعات الإرهابية”. هذه العبارات، التي خرجت من عباءة مؤسسة رسمية، تحمل وزنًا سياسيًا وأمنيًا ثقيلًا، وتعيد تشكيل الخريطة الذهنية التي تُسوّقها الجبهة وحلفاؤها عن طبيعة وجودها في المنطقة.

لا يتعلق الأمر فقط بانتقال أفراد إلى مناطق النزاع في مالي وبوركينا فاسو، بل يتعداه إلى ما وصفه التقرير بـ”الانصهار العقائدي والتقني”، أي أن بعض العناصر القادمة من تندوف تلقّت تدريبات عسكرية متطورة، وتقلدت مناصب قيادية داخل الجماعات المتطرفة، بل وساهمت في تنفيذ عمليات ونسج شبكات لوجيستية عبر الحدود.

اللافت أن التقرير أشار أيضًا إلى أن بعض هذه العناصر تُتقن اللغة الإسبانية، لأنها شاركت سابقًا في برامج استضافة الأطفال الصحراويين في أوروبا، ما يعني أن اختراقها للمجتمع الإسباني ليس فقط ممكنًا، بل قائم بالفعل. وهو ما يجعل من الخطر الإرهابي القادم من البوليساريو تهديدًا داخليًا لإسبانيا نفسها، وليس مجرد قضية خارجية على حدود المغرب.

في السياق ذاته، جاءت اعتقالات متفرقة في شمال إسبانيا لعناصر صحراوية محسوبة على الجبهة، بتهم تتعلق بـ”الدعاية الجهادية” و”الارتباط بجماعات مسلحة”، لتزيد من تعقيد المشهد، ولتفتح الباب أمام أسئلة حقيقية: هل باتت البوليساريو مجرد واجهة سياسية لامتدادات أكثر ظلمة؟ وهل ما يزال البعض في مدريد وباريس يتحدث عن هذه الحركة بنفس براءتها القديمة؟

الخطير في كل هذا أن الظاهرة ليست معزولة. فالساحل الإفريقي أصبح، وفق تقديرات أمنية دولية، أكثر منطقة نشاطًا للجماعات المتطرفة في العالم، ومع تساهل بعض الأنظمة الإقليمية وغضّ الطرف عن التحركات غير المشروعة للجبهة، فإن خطر التحول إلى “حاضنة صامتة للإرهاب” يبدو أقرب مما كان يُعتقد.

المغرب، بدوره، لطالما نبه إلى هذا التداخل، لكن كثيرًا من التقارير الدولية، لأسباب سياسية أو دبلوماسية، كانت تلتف على الموضوع. الآن، ومع اعتراف جهاز استخبارات أوروبي مركزي كـCNI، فإن الرواية المغربية تخرج من طور التحذير السياسي، إلى حقيقة استخباراتية دولية ذات صدى واسع.

الأكيد أن مدريد لن تنظر بعين اللامبالاة لهذه المعطيات. فالسؤال لم يعد: “هل هناك خطر؟”، بل أصبح: كيف يمكن احتواؤه؟ وكيف ستُراجع إسبانيا موقفها من دعم غير مباشر لكيان يُنتج، في بعض جيوبه، خلايا قادرة على تهديد الأمن الأوروبي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى