إيطاليا تعتمد الإخصاء الكيميائي: بين الردع القانوني وحماية المجتمع

في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت الحكومة الإيطالية رسميا اعتماد “الإخصاء الكيميائي” كعقوبة اختيارية موجّهة للمغتصبين والمعتدين على الأطفال، في محاولة للحد من تكرار الجرائم الجنسية التي هزت الرأي العام خلال السنوات الأخيرة. ويأتي هذا القرار في سياق أوروبي يزداد فيه النقاش حول فعالية العقوبات التقليدية في منع إعادة ارتكاب الجرائم، خاصة تلك التي تستهدف الفئات الهشة مثل القاصرين.
الإخصاء الكيميائي، وهو علاج دوائي يهدف إلى خفض مستوى الهرمونات الجنسية المسؤولة عن الشهوة، ليس مفهوما جديدا في أوروبا، إذ سبق لعدة دول اعتماد آليات مشابهة، مثل ألمانيا وبولندا وإستونيا. غير أن اعتماد إيطاليا لهذا الإجراء يعطي للنقاش زخما جديدا بالنظر إلى حجم الجدل الحقوقي والسياسي الذي أثاره.
من جهة أولى، يرى المدافعون عن القرار أنه يبعث رسالة قوية مفادها أن أمن الأطفال والفئات الهشة أولوية مطلقة للدولة، وأن إعادة تأهيل الجناة لا يمكن أن تكون على حساب حماية المجتمع. كما يعتبرون أن التجارب الدولية أثبتت أن الإخصاء الكيميائي يقلل بشكل كبير من احتمالات العودة إلى ارتكاب الجرائم الجنسية، خاصة إذا تم دمجه ببرامج نفسية مصاحبة.
في المقابل، يعتقد منتقدو الإجراء أنه يفتح الباب أمام نقاش أخلاقي واسع، إذ يعتبرون أن العقوبات التي تغير الوظائف البيولوجية للإنسان قد تتعارض مع المبادئ الحقوقية الأساسية، حتى لو كانت طوعية. كما يشكك البعض في القدرة الفعلية للعلاج على معالجة جذور السلوك الإجرامي التي غالبا ما تكون مرتبطة بعوامل نفسية معقدة تتجاوز مجرد الرغبة الجنسية.
اللافت أن القرار الإيطالي جاء بعد أشهر من الضغط الشعبي الناتج عن ارتفاع حالات الاعتداء على الأطفال، وهو ما يعكس تغيرا في المزاج العام تجاه الجناة في هذا النوع من الجرائم. وبالرغم من أن الإجراء سيظل اختياريا، فإن تضمينه في المنظومة التشريعية يمثل تحولا مهما في فلسفة العقاب داخل إيطاليا.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال الجوهري هو ما إذا كان هذا الإجراء سيحقق الأثر المنتظر في خفض معدلات العنف الجنسي، أم أنه مجرد استجابة سياسية لقلق اجتماعي متصاعد. وبين التحفظات الحقوقية والمطالب الشعبية، تجد إيطاليا نفسها أمام معادلة صعبة: حماية المجتمع دون المس بحقوق الإنسان. لكن الأكيد أن النقاش حول الإخصاء الكيميائي لن يتوقف هنا، بل قد يتحول إلى نموذج تراقبه دول أخرى تبحث عن حلول أكثر صرامة لجرائم اعتبرت لعقود من اعقد التحديات الجنائية.




