إصلاحات العهد الجديد: من المفهوم الجديد للسلطة سنة 1999 الى المفهوم الجديد للسياسة 2025

د. أحمد درداري
تميز العهد الجديد بنظام حكم مبني على أسس ومبادئ وقوانين ثابتة وأخلاق وطنية تمثل روح التغيير، و قد شغل المفهوم الجديد للسلطة للسلطة كاول مفهوم أساسي للحكم، بال المخاطب الأول في الدولة، نظرا لبعض الأوجه السلبية لاستعمال السلطة قبل العهد الجديد، وقد جاء المفهوم الجديد مبني على تصور جلالة لأخلاقيات ممارسة السلطة في الدولة بمعانيه وتجلياته المختلفة، حيث تم ربطه بالحكامة الأمنية و حسن التدبير الإداري و القرب والإنصات و التنمية… كما تجلى ذلك من خلال مضامين دستور 2011، وهناك من اعتبر المفهوم الجديد للسلطة قد جاء مقتصرا على السلطة التنفيذية وحدها بما فيها سلطة الحكومة بشقيها الأمني والإداري، بينما المفهوم يرتبط بكل المجالات و يهدف إلى تغيير العقليات التي تتوهم وجود السلطة في كل الممارسات، و لو انها بعيدة التحكم في مؤسسات الدولة.
ويعد تأخر الفهم عند أغلب النخب السياسية، حيث هناك من تجاهل توجهات العهد الجديد ، وهناك من غض الطرف أو وساهم في التقليل من قيمة توجهات التغيير، مما شكل معه عائقا لكي لا يدفع بالممارسات السياسية إلى التجاوب مع أسس ومبادئ الممارسة السياسية المواطنة. وقد أبانت الممارسات الحزبية و خطابات السياسيين عن ازمة الفاعل السياسي الذي ينطلق من الحرية و الاستقلالية لكي لا يستجيب للتغيير، والتذرع بمكاسب قواعد اللعبة الكلاسيكية، رغم ان الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد تغيرت وتجاوزت زمن العزف على الإبعاد أو الإشراك في الحكم والتكتل أو الانقسامات والمقاطعة أو المشاركة في الانتخابات وغيرها من مظاهر السلوك السياسي المألوف للأحزاب ، حيث حصر السياسي نفسه كموضوع و تم اخراج هموم وانشغالات المواطن من أولويات النقاش السياسي الحقيقي بين الاحزاب والدولة، وتم ربط العمل السياسي بالشرعية الوهمية من قبيل النضال السياسي الذي يعني الإساءة لنظام الحكم، فيتولد عن ذلك شرعية النضال او تقديم تضحيات للوطن بمناسبة تاريخية معينة كمواجهة المستعمر، او بناء على قدرة مالية تم إلباسها زعامة سياسية كالترشح للعضوية البرلمانية او الرئاسة الجماعية، بينما في الواقع هناك سياسيين دفعتهم مشاكل عديدة إلى الولوج إلى الحقل السياسي، لتفادي المشاكل مع الادارة والقضاء، بحيث ان الفرار من العدالة من بين اسباب دخول عدد من السياسيين إلى العمل السياسي.
و المفهوم الجديد للسياسة يرتبط بتغيير العقليات لدى بعض المتسلطين المتعاطين للشأن السياسي و إبعاد المصلحة الشخصية عن دورة النخبة السياسية حتى تصبح العلاقة بين المؤسسات تحكمها الالتقائية التي تسهل حركية الفعل التنموي و خلق توازن سياسي واقتصادي واجتماعي وطني وترابي عبر التجاوب مع مطالب المواطنين.
ونظرا لكون جلالة الملك أزال عن نفسه التقديس الدستوري بموجب نص دستوري جديد، فانه لم يبقى من بعده التقديس لأي كان. و الاحزاب وصل دورها وعليها ان تستيقظ من نومها، وأن تنهج اسلوبا شبيها بأحزاب تصنع السياسات العمومية وتمثل المواطنين في دول الجوار كإسبانيا، خصوصا وان مهمتها الدفاع عن حقوق المواطنين في كل مستوياتها وليس العكس.وعلى الاحزاب ان تعتبر دعوة جلالة الملك الى ضرورة ايجاد منظومة انتخابية قبل نهاية السنة الجارية، وفي ذلك نوع من التحفيز و إثارة الوعي ودفع الفاعلين نحو التغيير الإيجابي. وان التوجيهات الصادرة عن أعلى سلطة في البلاد ذات العلاقة بتنميط أخلاقيات التخاطب السياسي، بالدقة والاحترام المطلوبين عند المخاطبة البينية او تجاه رموز السيادة الوطنية او تجاه المواطنين.وأن نبرة الحزم والصرامة في التوجيهات الملكية، تصب في اتجاه تحميل السياسيين المسؤولية الوطنية حول المغرب الصاعد، ومواكبة سياق الصعود بمعية المؤسسة الملكية التي تقود وحدة الدولة وضمان استمرارها.
والحديث عن أزمة الاحزاب يرتبط بطريقة تواصل وأداء الفاعلين السياسيين، خاصة أولئك الذين يتولون مهمة تمثيل الأمة أو تولي مناصب رسمية. حيث يلاحظ أننا دخلنا مرحلة مجتمع ما بعد الرقمنة الذي يتميز باتساع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وتحولها إلى ساحة رقابة جماهيرية مفتوحة، أصبح السياسيون معها مواضيع سخرية واستهزاء، وهم مطالبين اليوم بتطوير ثقافتهم ومهاراتهم الذاتية، واسلوبهم التواصلي السياسي، و طريقة تعبيرهم، ومواكبة الجيل الشبابي الرقمي، وتجنب الخروج عن الصواب وتفادي الحماس الزائد الذي لا يتماشى مع روح القانون.والأمر يقف على مراجعة جدية لطرق تكوين النخب السياسية، والخروج من حالة المسكوت عنه في حياة الاحزاب، خصوصاً في مجالات التواصل السياسي ، الإعلام الحزبي، وضبط الخطاب السياسي ، بما يعزز النموذج المغربي الحزبي اقليميا ودوليا، بقيادة المؤسسة الملكية الضامنة للحفاظ على الخيار الديمقراطي. بحكم مقام المؤسسة الملكية تدخل ضمن الثوابت السياسية والدستورية للبلاد.