المغرب

أكثر من 4 ملايين مغربية فوق سن الثلاثين بدون زواج.. ناقوس إنذار يدق أبواب المجتمع المغربي

تجاوز عدد المغربيات غير المتزوجات بعد سن الثلاثين حاجز الأربعة ملايين، حسب معطيات إحصائية حديثة، وهو رقم لا يمكن اعتباره مجرد مؤشّر اجتماعي عابر، بل إنذار حقيقي يكشف عن تحولات عميقة تمس البنية الأسرية والديموغرافية للمغرب، وتنذر بمستقبل تسوده الشيخوخة وتراجع معدلات الولادة وتفكك الروابط الاجتماعية.

فالمجتمع المغربي الذي كان يقوم على قيم الأسرة والتكافل والتضامن، يشهد اليوم تغيراً متسارعاً في سلم أولوياته وقيمه، نتيجة التحولات الاقتصادية والثقافية والإعلامية التي أعادت تشكيل الوعي الجماعي، وجعلت الزواج خياراً ثانوياً لدى فئات واسعة من الشباب والنساء على حد سواء.

تأخر سن الزواج أو العزوف عنه لم يعد مرتبطاً فقط بضعف الإمكانيات المادية أو البطالة، بل تجاوز ذلك إلى تغيّر النظرة إلى مؤسسة الزواج نفسها. فالعولمة الرقمية وأنماط الحياة الجديدة رسخت الفردانية والاكتفاء الذاتي، ودفعت كثيرين إلى تفضيل العيش المستقل بدل تحمّل مسؤوليات الحياة الزوجية. غير أن هذه النزعة، وإن بدت حرية شخصية، فإنها في الواقع تطرح تحدياً حقيقياً على مستوى التماسك الاجتماعي واستمرار الدورة السكانية.

النتائج بدأت تظهر فعلاً: تراجع معدل الولادات بشكل ملحوظ، وارتفاع سن الأمومة الأولى، مقابل اتساع شريحة العزّاب والعازبات. ومع هذه المؤشرات، يصبح الحديث عن “مجتمع شاب” في المغرب مهدداً، في ظل تقارير تشير إلى تسارع وتيرة الشيخوخة الديموغرافية خلال العقود القادمة.

من جهة أخرى، يؤكد خبراء الاجتماع أن الظاهرة ليست مجرد مسألة إحصائية، بل تمس جوهر البنية الاجتماعية التي كانت تعتمد تاريخياً على الأسرة كوحدة إنتاج وتكافل وتربية. فغياب الاستقرار الأسري يؤدي إلى هشاشة في العلاقات الإنسانية، وارتفاع نسب العزلة والاكتئاب، وتراجع روح التضامن بين الأجيال.

كما أن استمرار هذه الظاهرة دون تدخل فعلي من الدولة والمجتمع قد ينعكس سلباً على الأمن الاجتماعي والاقتصادي، إذ سيؤدي تقلص عدد الأسر الجديدة إلى انخفاض الطلب الداخلي وضعف دينامية السوق، إضافة إلى تراجع الفئة النشيطة في مقابل اتساع قاعدة المسنين.

إن الأرقام المعلنة يجب أن تُقرأ كجرس إنذار لا كمجرد خبر عابر. فبناء الأسرة ليس مجرد تقليد اجتماعي، بل أساس الاستقرار والتوازن داخل أي مجتمع. والمطلوب اليوم هو نقاش وطني صريح حول الأسباب العميقة التي دفعت جيلاً كاملاً إلى تأجيل الزواج أو النفور منه، وإطلاق سياسات تشجع على تكوين الأسر من خلال تحسين ظروف العيش والسكن والعمل، وإعادة الاعتبار للقيم التي جعلت من الأسرة المغربية على الدوام حصناً للتماسك والهوية.

فالأمر لا يتعلق بحرية شخصية بقدر ما يتعلق بمستقبل وطن، يواجه خطر الشيخوخة الصامتة وتآكل روابطه الاجتماعية إن لم يتدارك المسار قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى