العالم

حين يُبنى الجدار على حساب الفقراء: ميديكيد ضحية أولى في أجندة سياسية بلا بوصلة


في واحدة من أكثر المفارقات قسوة في السياسة الاجتماعية الأمريكية، كشفت تقارير إعلامية موثوقة أن الإدارة الجمهورية تسعى إلى اقتطاع جزء من تمويل برنامج ميديكيد (Medicaid) – المخصص لتوفير الرعاية الصحية للفقراء وأصحاب الدخل المحدود – من أجل إعادة تمويل مشروع الجدار الحدودي الذي ظل رمزًا انتخابيًا لترامب منذ ولايته الأولى.

القرار الذي بدأت بوادره تظهر في عدد من الولايات الجنوبية، خاصة تكساس، أثار استياءً واسعًا لدى الأوساط الصحية والمدنية، إذ يُنظر إليه باعتباره انقلابًا على الأولويات الاجتماعية، وتحويلاً للموارد من ملف يمسّ الحياة اليومية لملايين الأمريكيين نحو مشروع مكلف ومثير للانقسام.

برنامج “ميديكيد”، الذي يُمول جزئيًا من الميزانية الفيدرالية، يُعد شبكة الأمان الصحي الأولى لأكثر من 80 مليون مواطن أمريكي، بينهم أطفال وذوو إعاقات وكبار السن. ويمثل، منذ تأسيسه في ستينيات القرن الماضي، ركيزة أساسية في العدالة الاجتماعية داخل المنظومة الفيدرالية. لكن التحولات السياسية الأخيرة بدأت تُقوّض هذه الوظيفة تدريجياً.

وفق التقارير، فإن إدارة ترامب الجديدة تستخدم ما يُسمى بـ”الإعفاءات الفيدرالية” لإعادة تخصيص التمويل الموجه إلى برامج الصحة نحو أولويات ذات طابع أمني، في خطوة تُوصف بأنها تسييس سافر للسياسة الاجتماعية، وتحويلها إلى ذراع أيديولوجي لخدمة أجندة محافظة قائمة على الانغلاق القومي.

المعارضون يرون في هذه الخطوة عقاباً جماعياً للفقراء، وضربًا للتوازن الذي يُفترض أن تحققه الدولة بين الأمن الاجتماعي والأمن الحدودي. كما أن الربط بين الصحة والهجرة يُعد، في نظرهم، خلطاً مقصوداً يُغذي الخطاب الشعبوي ويُحوّل الفئات الهشة إلى وقود للعبة انتخابية.

وفيما تلتزم وزارة الصحة الفيدرالية الصمت، يواصل نشطاء المجتمع المدني التعبير عن مخاوفهم من تحول الرعاية الصحية إلى ملف تجاري أو أمني، بدل أن تظل حقًا إنسانيًا لا يجب أن يُمس.

السؤال اليوم لم يعد إن كانت الإدارة جادة في بناء الجدار، بل أي ثمن إنساني ستدفعه أمريكا مقابل كل متر من الإسمنت؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى