تندوف… جحيم منسي في قلب الصحراء الجزائرية

تحوّلت مخيمات تندوف، الخاضعة لسيطرة ميليشيات “البوليساريو”، إلى مسرح مأساوي لأزمة إنسانية متفاقمة، تشهد انهيارًا شاملاً في مؤشرات الأمن الغذائي، والصحة، والماء، والتعليم، وسط تجاهل رسمي جزائري وصمت دولي مطبق. تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، ومنظمات إنسانية متعددة، تؤكد في 2025 أن هذه المخيمات تعيش حالة “تمويل مزمن غير كاف”، حيث بلغت الحاجيات العاجلة ما يزيد عن 214 مليون دولار، في ظل عجز الوكالات الدولية عن الاستجابة المتزايدة للاحتياجات الأساسية.
الجوع والتغذية: أزمة صامتة بأرقام مرعبة
أكثر من 77% من سكان المخيمات يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حسب برنامج الغذاء العالمي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مع تقليص الحصص الغذائية بنسبة 30%. الأطفال هم الضحية الأولى: 10.7% يعانون من سوء التغذية الحاد، وأكثر من 28% يعانون من تأخر في النمو، بينما 54% من الأطفال والنساء يعانون من الأنيميا الناتجة عن نقص الحديد، وهي نسب تتجاوز عتبات الخطر الصحي حسب معايير منظمة الصحة العالمية.
الماء والصرف الصحي: عطش في أرض العطش
يتم تزويد سكان المخيمات بـ 18 لتراً فقط من الماء الصالح للشرب للفرد يومياً، وهو أقل من الحد الأدنى الإنساني الموصى به (20 لتراً)، ويزداد الوضع سوءاً في الصيف مع ارتفاع الحرارة إلى ما فوق 50 درجة مئوية. وتعاني الآبار المحلية من نسب عالية من الفلوريد والملوحة، ما يسبب أمراضًا كلوية وتشوّهات في الأسنان، بينما تضطر الأسر في بعض الأحيان إلى شرب مياه غير معالجة، ما يؤدي إلى انتشار أمراض الإسهال والتهابات الكبد.
الصحة: قطاع منهار
يوجد فقط مستشفى واحد بسيط في تندوف، لا يوفر إلا العمليات الجراحية البسيطة والولادة، بينما يُنقل الحالات المعقدة إلى مدينة بشار الجزائرية بشرط الولاء أو الوساطة. أدوية أساسية غير متوفرة، وأمراض مزمنة مثل السكري والضغط تعاني من غياب المتابعة، حسب تقارير منظمة الصحة العالمية.
الاقتصاد: لا اقتصاد
75% من القادرين على العمل عاطلون عن العمل، وعدد كبير منهم لا يبحث حتى عن عمل بسبب غياب السوق ومنع الخروج من المخيمات دون ترخيص. الوظائف الوحيدة المتاحة هي في صفوف “البوليساريو”، أو برامج المنظمات الإنسانية، أو في تجارة بسيطة قائمة على إعادة بيع المساعدات الإنسانية. أما الدخل النقدي، فهو شبه معدوم، ما يزيد من هشاشة السكان أمام أي تقلبات.
تندوف… سجن بلا أسوار
ليست تندوف مجرد مخيمات لاجئين، بل أصبحت منطقة عزل سياسي وإنساني، حيث يُمنع السكان من التنقل، ولا يُمنحون أي وضع قانوني أو جنسية، ويعيشون تحت إدارة “حكومة منفية” بلا شرعية، وبلا حماية قانونية. تشير تقارير أوروبية إلى أن الجزائر، طيلة 50 عاماً، لم تدمج هؤلاء في مجتمعها، ولم توفر لهم الحد الأدنى من الحقوق، مكتفية بتخصيص أرض وماء وبعض الخدمات دون تحمل أي مسؤولية إنسانية أو سياسية.
الفساد المنظم: المساعدات تُباع في السوق السوداء
تقارير أوروبية، أبرزها تقرير مكتب مكافحة الغش بالاتحاد الأوروبي (OLAF)، فضحت شبكات ممنهجة لسرقة المساعدات الدولية: أطنان من المواد الغذائية تُباع في الأسواق الجزائرية والموريتانية، أدوية تختفي، ومعدات مدرسية لا تُرى. كل ذلك في وقت يتعلّم فيه أطفال تندوف القراءة في خيام ممزقة تحت شمس حارقة.
خلاصة: تندوف ليست ملجأً.. إنها فخ إنساني
ما يحدث في تندوف هو نتيجة سياسة تهميش ممنهجة، جعلت من ساكنيها رهائن لصراع سياسي تغذّيه الجزائر وتديره “البوليساريو”. الأطفال يموتون جوعاً وعطشاً، النساء يلدن بلا رعاية، والشباب يذبلون في انتظار فرصة لن تأتي. تندوف ليست أزمة إنسانية فقط، إنها فضيحة أخلاقية، وجريمة صمت دولي تتجدد كل يوم.