المغرب

الخطاب الملكي: إنذار لا مجاملة

الخطاب الملكي الأخير لم يكن بروتوكوليا ولا يحمل نغمة المجاملة المعتادة، بل كان رسالة واضحة المعالم، ذات نبرة صارمة وتحذيرية بنغمة هادئة، تعكس وعيا ملكيا عميقا بحجم الاختلالات التي تعرفها المنظومة الإدارية والتنموية في البلاد. فالملك لم يكتف بالتوجيه العام، بل اختار لغة دقيقة تؤكد أنه يتابع أداء المسؤولين والمؤسسات، وأن مرحلة التقييم قد اقتربت بعد سنوات من العمل.

حين قال الملك: «ندعو الجميع، كل من موقعه، إلى محاربة كل الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات، لأننا لا نقبل أي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي»، كان يضع الخط الفاصل بين مرحلة الكلام ومرحلة الحساب. فالتوجيه هنا ليس نصيحة بل أمر ملكي يحمل طابع الإنذار، خصوصا أنه جاء في السنة الأخيرة من الولاية الحكومية، ما يجعل الزمن السياسي ضيقا والمحاسبة قريبة.

هذا الخطاب يعد رسالة مباشرة إلى كل من يختبئ وراء الشعارات أو يبرر عجزه بالظروف، إذ أكد الملك أن ما ينتظره هو النتائج، لا الوعود. فالنتائج وحدها هي التي ستنقذ المسؤولين من المساءلة، وهي التي ستبرهن على صدق النوايا وكفاءة التدبير.

هناك من المسؤلين من رأى ان الخطاب الملكي حبل نجاة من المحاسبة، لكن حقيقة الخطاب هي انها امتحان له، والنتيجة سيتسلمها عند انتهاء ولاية هذه الحكومة، الخطاب لم يكن صارخا، ولكنه كان طلقة كاتمة للصوت معناها “العبرة بالخواتم” فمن يضن انه نجا فاليعلم ان صافرة النهاية لم تطلق بعد، فلب الخطاب هو امتحان للكفائة السياسية عند المسؤولين، قبل وقت المحاسبة

وختم الخطاب بآية قرآنية جامعة: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره»، لم يكن مجرد استشهاد ديني فحسب ، بل تذكير بأن زمن المحاسبة قادم، وأن العمل وحده هو الفيصل بين من يخدم الوطن بإخلاص ومن يتخذ من المنصب وسيلة للتمويه والتبرير.

إن الرسالة الكبرى في هذا الخطاب هي أن الملك يتابع التفاصيل ويعي حجم التعثرات بدقة، ولم يعد يقبل التهاون أو ضعف الأداء. إنها لحظة فاصلة بين مرحلة التوجيه ومرحلة التقييم، بين من أنجز ومن تقاعس، بين من كانت أقواله أفعالا ومن ظل أسير الخطابات والوعود.

لذلك، فالخطاب الملكي ليس مجاملة سياسية ولا تلطيفا للواقع، بل إنذار صريح لكل مسؤول يعتبر موقعه حصانة من المساءلة. لقد أغلق باب الأعذار، وآن أوان النتائج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى