السلطات المغربية تتعاطى بحزم مع المؤثرين الرقميين الذين ينشرون محتوى مخلا وتعيد ضبط قواعد الفضاء الافتراضي

تشهد الساحة الرقمية في المغرب منذ اشهر تحولات لافتة، حيث تتجه السلطات الى التعامل بصرامة اكبر مع المؤثرين الرقميين الذين ينشرون محتوى مخلا او مضللا او ماسا بالنظام العام. هذا التحول يعكس وعيا رسميا متزايدا بخطورة بعض الممارسات على منصات التواصل، خاصة مع تنامي تأثير المحتوى السطحي او الهابط على فئات واسعة من الجمهور، بما فيها القاصرين.
وقد اسفرت هذه المقاربة الجديدة عن فتح تحقيقات ومتابعات في حق عدد من الاشخاص الذين استغلوا شهرتهم الرقمية لخلق ضجيج افتراضي قائم على الاثارة والاساءة والابتزاز، او نشر سلوكيات لا تنسجم مع القوانين المغربية ولا مع قواعد الاستخدام النزيه للفضاء الرقمي. كما شملت الاجراءات حالات بث مباشر تتضمن ممارسات غير لائقة، او الترويج لافكار تمس بالاخلاق العامة، او تقديم محتوى يفتقر بالكامل الى القيمة ويستهدف فقط جلب المشاهدات.
ويرى متابعون ان هذه الحزم يدخل في سياق ضبط المنصات التي تحولت خلال السنوات الاخيرة الى فضاء مفتوح للفوضى الرقمية، حيث تختلط حرية التعبير بالاساءة، والنقد بالتحريض، و”الترفيه” بالممارسات التي تسيء الى صورة المجتمع. وقد ساهم انتشار الهواتف الذكية وسهولة البث المباشر في توسيع رقعة هذا النوع من المحتوى، الامر الذي دفع السلطات الى التدخل لحماية الفضاء العام وضمان احترام القانون.
الى جانب الجانب الزجري، برز نقاش واسع حول الحاجة الى مقاربة تربوية وثقافية موازية، تهدف الى دعم المحتوى الجاد، وتشجيع الابداع، وتزويد الشباب بآليات التفكير النقدي، حتى لا يتحولوا الى ضحايا المحتوى التافه او المضلل. كما ظهرت مطالب بترسيخ ثقافة رقمية جديدة تقوم على المسؤولية والاحترام والتنظيم الذاتي للمستخدمين.
كما ان عددا من المهنيين في الاعلام الرقمي يعتبرون ان الامر لا يتعلق بتقييد حرية التعبير، بل بتنظيم قطاع اصبح يؤثر بشكل مباشر على الذوق العام، وعلى صورة المغرب داخليا وخارجيا، وعلى سلوكيات الاجيال الصاعدة. فالمؤثر الحقيقي، حسب هؤلاء، هو الذي يقدم قيمة، ويشارك معارف، ويصنع محتوى مفيدا، وليس الذي يبني شهرته على الخدش والاثارة.
التحركات الاخيرة تشير بوضوح الى ان المغرب يتجه نحو مرحلة جديدة في ضبط الفضاء الافتراضي، تجمع بين احترام حرية التعبير من جهة، وفرض القانون على من يتجاوز الخطوط الحمراء من جهة اخرى. وهي مقاربة ضرورية في سياق عالمي تتشابك فيه المنصات الرقمية مع القضايا الاجتماعية والاخلاقية والامنية، وتفرض على الدول حماية مواطنيها من استغلال الفضاء الرقمي في ما لا يخدم المصلحة العامة.




