المغرب

الملك محمد السادس وصناعة ثقافة التسامح: رؤية ملكية تؤسس لعيش مشترك في زمن الانقسام

منذ اعتلائه العرش، جعل الملك محمد السادس من ثقافة التسامح ركيزة مركزية في مشروعه المجتمعي، وسبيلا لترسيخ السلم الاجتماعي والانفتاح الحضاري. وهي ثقافة لا تقتصر على الخطاب فقط، بل تتجلى في السياسات، والمبادرات، والتحركات الملكية داخل المغرب وخارجه.

مرجعية دينية معتدلة

يعتمد النموذج المغربي في التسامح على مرجعية دينية تقوم على الوسطية والاعتدال، وهو ما كرّسه الملك محمد السادس من خلال تأهيل الحقل الديني، وتكوين الائمة والمرشدين، وإطلاق برامج لمحاربة الغلو والتطرف، مما جعل المغرب نموذجا يحتذى في افريقيا والعالم الاسلامي.

بصفته اميرا للمؤمنين، يجمع الملك بين الشرعية الدينية والرؤية الاصلاحية، ويحرص على ضمان ممارسة دينية تقوم على الاحترام والانفتاح ونبذ الكراهية، وهو ما انعكس في خطبه ومبادراته، ومنها تجديد خطاب الجمعة، وتكوين الائمة الافارقة، وتاسيس مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة.

التسامح كرافعة دبلوماسية

على المستوى الدولي، رسخ الملك محمد السادس صورة المغرب كدولة تنبذ الصراعات العقائدية والهوياتية، وتؤمن بالحوار الحضاري. تجلى ذلك في استقباله للبابا فرانسيس في زيارة تاريخية سنة 2019، وتوقيع “نداء القدس” من اجل الحفاظ على الطابع المتعدد للمدينة المقدسة.

كما لم يتردد الملك في الدفاع عن حرية المعتقد ورفض ربط الدين بالارهاب، مجددا التاكيد على ان الاسلام المغربي يدعو الى السلام، ويرفض كل اشكال العنف باسم الدين.

مغرب متسامح مع تنوعه

في الداخل، كرّس الملك نهجا واضحا يقوم على الاعتراف بالتعدد الثقافي والديني واللغوي، من خلال دسترة الامازيغية، والانفتاح على الثقافة الحسانية والعبرية، وتعزيز مكانة المكون اليهودي كجزء اصيل من الهوية المغربية.

واستمرارا لهذا التوجه، اطلق الملك برامج لاعادة ترميم المعابد اليهودية والمقابر، واطلاق اسماء يهودية على بعض الشوارع، في خطوة غير مسبوقة في العالم العربي، تاكيدا على ان التعايش ليس مجرد شعار بل ممارسة يومية راسخة.


لا يكتفي الملك محمد السادس بالدعوة الى التسامح، بل جعل منه منظومة قيمية وسياسية تؤطر المشروع المغربي في الداخل والخارج. تسامح يربط الماضي بالحاضر، ويوازن بين الاصالة والانفتاح، في عالم يزداد انقساما وانغلاقا. هي رؤية ملكية تتجاوز الظرفية، وتؤسس لمغرب حديث، متصالح مع ذاته، ومنفتح على الاخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى