المغرب

تعميق الشراكة المغربية – الفرنسية في الأمن والهجرة: قراءة في أبعاد التعاون الاستراتيجي

أجرى وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، يوم الثلاثاء 25 نونبر بمدينة مراكش، محادثات ثنائية مع نظيره الفرنسي لوران نونيز، في لقاء سلط الضوء على أوجه التعاون المتعددة بين المغرب وفرنسا، خصوصاً في مجالات الأمن والهجرة. اللقاء، بحسب بلاغ وزارة الداخلية، شكل مناسبة لاستعراض القضايا ذات الاهتمام المشترك وتبادل الرؤى حول التحديات الأمنية الإقليمية والدولية.

ويلاحظ المراقبون أن هذا الاجتماع يأتي في سياق استمرار تعزيز الشراكة الثنائية بين البلدين، التي ارتكزت على إعلان الشراكة الاستثنائية الوطيدة الذي وقعه الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون خلال زيارة الدولة في أكتوبر 2024. هذه الشراكة ليست مجرّد إطار شكلي، بل تمثل قاعدة لتعميق التعاون في مجالات متعددة، من بينها مكافحة الإرهاب، محاربة الشبكات الإجرامية العابرة للحدود، وإدارة قضايا الهجرة بطريقة تشاركية.

وفي ما يتعلق بالهجرة، أكد الوزيران على الدور الذي تضطلع به المجموعة المشتركة الدائمة المغربية – الفرنسية حول الهجرة، باعتبارها آلية حوار وتنسيق مركزية لمناقشة التدفقات والهجرة غير النظامية وحماية الحقوق الأساسية للمهاجرين. وتعد هذه الآلية انعكاساً لوعي مشترك بضرورة مواجهة التحديات المتعلقة بالهجرة بشكل متوازن، يربط بين ضبط الحدود واحترام حقوق الإنسان.

على مستوى الأمن، شدّد الطرفان على أهمية تبادل المعلومات والخبرات لمواجهة التهديدات المتعددة، بما يشمل أنشطة الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية، لا سيما في منطقة الساحل والصحراء، التي تعتبر نقطة محورية لمراقبة حركة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود. هذه المقاربة تعكس رغبة مشتركة في بناء دينامية مستمرة وفعالة بين الأجهزة الأمنية، توازن بين الاستباقية ومراقبة المخاطر، وتحمي مصالح البلدين الإقليميّة والدولية.

إضافة إلى ذلك، يبرز في هذا التعاون عنصر استراتيجي طويل الأمد: فهو ليس مجرد تدابير مؤقتة لمواجهة تهديدات آنية، بل يهدف إلى تأسيس آليات دائمة للتنسيق، تشمل التدريب المشترك، تبادل الخبرات التقنية، وتطوير نظم رصد وتحليل للمعلومات الأمنية. مثل هذه الخطوات تسعى إلى تعزيز قدرة البلدين على مواجهة المخاطر المعقدة والمتداخلة، بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للقارات، في ظل تحولات دائمة في المشهد الإقليمي والدولي.

في المقابل، يرى بعض المحللين أن هذا النوع من التعاون يطرح تحديات محتملة، من بينها مسألة السيادة الوطنية في مجالات حساسة مثل الأمن والهجرة، وكذلك مدى قدرة الآليات الثنائية على معالجة القضايا الإنسانية المتعلقة بالمهاجرين بفعالية وعدالة. فالتركيز على الجانب الأمني، رغم أهميته، قد يطغى أحياناً على الأبعاد الاجتماعية والإنسانية لهذه الملفات، ما يستدعي متابعة دقيقة لضمان التوازن بين الفعالية الأمنية وحماية الحقوق الأساسية.

ختامًا، يظهر لقاء مراكش كإشارة واضحة إلى استمرار تعزيز الشراكة المغربية – الفرنسية، مع التركيز على بناء تعاون أمني واستراتيجي طويل الأمد، قادر على مواجهة التحديات المعقدة والمتعددة، مع إبقاء آليات الهجرة والحقوق الإنسانية ضمن دائرة الاهتمام. هذا النهج يوضح أن التعاون بين البلدين لم يعد مقتصرًا على الاستجابة للأزمات، بل يسعى إلى ترسيخ دينامية مستدامة قادرة على ضبط المخاطر والتحديات في أفق مستقبلي بعيد المدى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى