أكادير.. نحو جيل جديد من المقاربة الأمنية القائمة على الرقمنة والذكاء الاصطناعي

تعيش مدينة أكادير، خلال السنوات الأخيرة، تحولاً لافتاً في أسلوب تدبير الشأن الأمني، حيث باتت تعتمد بشكل متزايد على آليات رقمية وتقنيات متقدمة في المراقبة والمواكبة، بما ينسجم مع التوجه الوطني الرامي إلى تحديث المنظومة الأمنية وتعزيز فعاليتها. هذا التحول لا يأتي فقط كاستجابة لتطور الجريمة وأنماطها، بل أيضاً كترجمة لرؤية استراتيجية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والرقمنة، والتحليل العلمي والدقيق للمعطيات.
وفي قلب هذا الورش المتجدد، يبرز دور المصالح الأمنية بأكادير التي تباشر تحديث البنيات التحتية للمراقبة، عبر شبكة كثيفة من الكاميرات عالية الدقة المنتشرة في الشوارع والساحات الكبرى، مما مكّن من خلق منظومة يقظة شمولية قادرة على تتبع الأحداث في الزمن الحقيقي. هذه المنظومة لا تهدف فقط إلى التدخل الفوري عند تسجيل أي سلوك مشبوه، بل تشكل أيضاً قاعدة بيانات بصرية تُستثمر في التحليل الجنائي، وتسهيل عمليات البحث والتحقيق، وتدعيم القرائن المادية التي تُعد أساساً في كشف الحقيقة وترتيب الجزاءات القانونية.
وتنسجم هذه المقاربة مع التحديثات الجارية في السياسة الجنائية المغربية التي باتت تولي أهمية قصوى للدليل المادي القاطع، باعتباره وسيلة دقيقة وموضوعية لإثبات الوقائع، بعيداً عن كل أشكال التأويل والادعاء غير المؤسس. كما يعكس هذا التطوير التزاماً من الأجهزة الأمنية بمواصلة إرساء أسس الحكامة الجيدة في مجال الأمن، من خلال توظيف التكنولوجيا: من تحليل الصور، إلى معالجة البيانات، إلى اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تتيح التوقع الاستباقي للأخطار.
وتأتي هذه الدينامية أيضاً مواكبة للانفتاح المتزايد للمغرب على المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الإنتربول، من خلال تبادل الخبرات والبيانات وتطوير آليات التعاون الأمني. وهو ما يعزز قدرات المملكة في مواجهة الجريمة المنظمة والعابرة للقارات، سواء تعلق الأمر بالاتجار الدولي في المخدرات، أو شبكات الهجرة غير النظامية، أو الجرائم المالية المعقدة. فالتكنولوجيا السائدة اليوم في أكادير وغيرها من المدن المغربية ليست مجرد أدوات للمراقبة المحلية، بل حلقة ضمن شبكة دولية متداخلة من التعاون والرصد وتعقب المجرمين.
وإلى جانب كل ذلك، لا يمكن إغفال أن هذا التطور التكنولوجي يخدم في جوهره الأمن القومي للمملكة، ويشكل درعاً وقائياً يضمن استقرار المدن وسلامة المواطنين. فشوارع أكادير التي باتت تحت مراقبة ذكية ودقيقة، ليست فقط مساحة حضرية تخضع للتنظيم، بل نموذجاً وطنياً لمدينة تستفيد من التحول الرقمي الأمني، وتؤكد أن المغرب يمضي بثبات نحو أمن أكثر حداثة وفعالية، بأدوات علمية ورؤية استراتيجية واضحة.
وبهذا، تصبح المقاربة الأمنية الجديدة في أكادير عنوان مرحلة جديدة تُبنى على التكنولوجيا، وترتكز على المهنية، وتطمح إلى ترسيخ أمن مستدام يواكب تحولات المجتمع ويضمن حماية الدولة والمواطن في آن واحد.




