العالمالمغرب

تصريحات عطاف.. هل تفتح الباب امام اتفاق سلام وشيك بين المغرب والجزائر؟

اثارت تصريحات وزير الخارجية الجزائري احمد عطاف حول استعداد بلاده للوساطة بين المغرب وجبهة البوليساريو موجة من التعليقات المتباينة، خصوصا ان هذا الموقف يأتي في وقت لا تزال فيه العلاقات الرسمية بين الرباط والجزائر مقطوعة منذ غشت 2021. فكيف يمكن الحديث عن وساطة في ظل غياب ابسط شروط الحوار، أي التواصل الدبلوماسي؟

التصريح الذي جاء بنبرة اقرب الى اختبار ردود الفعل منه الى اعلان مبادرة سياسية، يعكس على الارجح وجود حركية داخل الدوائر الرسمية الجزائرية ترتبط بالاجال الزمنية التي تحدث عنها الوزير نفسه قبل اسابيع، والتي لمح من خلالها الى وجود مفاوضات تجري خلف الستار قد تقود الى اتفاق جديد يعيد العلاقات الى مسارها الطبيعي.

من جهة اخرى، يفهم من كلام عطاف ان الجزائر تسعى الى تهيئة الرأي العام الداخلي لمرحلة ما بعد القطيعة، سواء عبر خطاب يبرز “حسن النية” او عبر اعطاء الانطباع بان العودة الى الحوار ستكون مشروطة باحداث سياسية موازية، من بينها محاولة ابراز دور الجزائر كوسيط في ملف الصحراء، رغم ان الواقع الدبلوماسي والقانوني يؤكد انها طرف مباشر في النزاع وليس وسيطا محايدا.

القراءة المتأنية لما يجري تظهر ان المؤشرات الاقليمية والدولية تضغط في اتجاه تخفيف التوتر بين الرباط والجزائر. فالوضع الاقتصادي في المنطقة، والتحديات الامنية المرتبطة بالساحل، وتراجع هامش المناورة في الدبلوماسية الجزائرية بعد التحولات الاخيرة داخل الاتحاد الافريقي، كلها عوامل تجعل العودة الى العلاقات الدبلوماسية خيارا اكثر واقعية من استمرار الجمود.

وبناء على ذلك، تبدو فرضية التوقيع على اتفاق خلال الاسابيع المقبلة غير مستبعدة، خصوصا اذا كان محتواه يقتصر على خطوات تقنية اولية مثل اعادة فتح القنوات الدبلوماسية وتبادل السفراء، دون التطرق في هذه المرحلة للملفات الكبرى الخلافية. فالنظام الجزائري يحتاج الى مخرج يحفظ ماء الوجه، بينما المغرب يتعامل بمنطق استراتيجي لا يتنازل عن ثوابته لكنه لا يغلق الباب امام تحسين المناخ الاقليمي.

في المقابل، يبقى السؤال الحقيقي: هل التوجه الجزائري نحو اعادة العلاقات يعبر عن مراجعة عميقة للسياسات السابقة ام مجرد خطوة ظرفية تمليها الضغوط الخارجية؟ فاستعداد الجزائر للوساطة، كما عبر عنه عطاف، يحمل في طياته تناقضا واضحا، اذ لا يمكن ان تكون وسيطا في ملف انتجته دبلوماسيتها ودعمته لخمسة عقود.

مع ذلك، فان مجرد الحديث الرسمي عن الوساطة، وعن اجال زمنية لاتفاق محتمل، يمثل مؤشرا مهما على ان الازمة وصلت الى مستوى من الاعياء يسمح بعودة لغة البراغماتية. واذا تم فعلا التوقيع على اتفاق الشهر المقبل كما تشير بعض التقديرات، فسيكون ذلك بداية لمسار طويل يحتاج الى تراكم الثقة قبل الوصول الى مرحلة تطبيع كامل.

في كل الاحوال، تبقى الكرة في ملعب الجزائر: فاعادة العلاقات ليست منة ولا تنازلا، بل ضرورة اقليمية تفرضها مصالح الشعوب واستقرار المنطقة. اما المغرب فقد اكد مرارا ان يده ممدودة للحوار، لكن على اساس الوضوح والاحترام المتبادل، وليس من باب المناورات الدبلوماسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى