قرار منع السكيريتي من توجيه المرضى خطوة مهمة.. لكن اسئلة اكبر ما زالت تبحث عن جواب

دخل قرار اداري جديد حيز التنفيذ يقضي بمنع افراد الامن الخاص داخل المستشفيات من توجيه المرضى والمرتفقين، وهو اجراء اعتبره الكثيرون خطوة في الاتجاه الصحيح لضبط مهام كل طرف داخل المؤسسات الصحية، وضمان استقبال يليق بالمواطن في مرافق يفترض ان تكون عنوانا للثقة والوضوح.
فالسكيريتي، وفق هذا القرار، سيعود الى مهامه الاصلية المتمثلة في حفظ النظام وتنظيم الولوج، دون تدخل في ارشاد المرضى او توجيههم نحو المصالح الطبية، وهي مهمة يفترض ان يقوم بها اطر مختصة داخل المرفق الصحي. خطوة ايجابية لا جدال فيها، لكنها تفتح الباب امام اسئلة اكبر تتجاوز وظيفة السكيريتي نحو صلب المنظومة الصحية نفسها.
فالكثيرون يرون ان الاصلاح الحقيقي يبدأ من ملفات اكثر حساسية، اولها توجيه بعض الاطباء للمرضى نحو المصحات الخاصة، وهي ممارسة لطالما اثارت استياء المواطنين، لانها تحول الخدمة الصحية العمومية من حق مكفول للجميع الى تجارة غير معلنة تستفيد منها جيوب محددة. ولو تم ضبط هذه السلوكات لكان ذلك اجود من القرار الحالي بكثير.
كما يتساءل المواطنون عن معنى اعطاء مواعيد بالاشهر لمرضى يحتاجون علاجا مستعجلا، وهي مهلة قد تفقد فيها زيارة الطبيب كل جدوى، وتدفع الناس نحو المصحات الخاصة مكرهين لا راغبين. منع هذه الممارسات، او على الاقل اصلاحها، كان سيكون خطوة احسن من اجود القرار الجديد.
ثم هناك اشكال اخر لا يقل اهمية، وهو تحديد بعض الاطباء عددا محدودا جدا من المرضى يوميا، بشكل يجعل الاف المرتفقين ينتظرون فرصتهم في الطابور، بينما المفترض ان المستشفى العمومي وجد اصلا لضمان الولوج العادل للعلاج، لا لتحويله الى معادلة صعبة يعاني فيها المواطن من اجل حق بديهي.
قرار منع السكيريتي من التوجيه مهم، لانه يعيد ترتيب الادوار ويحمي المريض من الفوضى، لكنه يبقى خطوة صغيرة في مسار طويل من الاصلاحات الضرورية للمستشفيات العمومية. اصلاحات تمس جوهر الممارسة الطبية، وتحفظ للمواطن كرامته وحقه في خدمة صحية عادلة وفعالة.
الناس لا يريدون قرارات تجميلية، بل تغييرا حقيقيا يعالج اصل الداء، لا مجرد مظاهره. وإذا كانت الوزارة قد بدأت بالسكيريتي، فامل المواطنين ان يشمل الاصلاح القادم منظومة بكاملها، حتى يصبح المستشفى العمومي فضاء للثقة وليس محطة للمعاناة.




