العالم

مارين لوبان تدعو إلى إنهاء اتفاقيات فرنسا والجزائر: ضربة سياسية موجعة للنظام الجزائري

في خطوة تحمل أبعادا سياسية واقتصادية عميقة، دعت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني الفرنسي، إلى وقف العمل بكل الاتفاقيات المبرمة بين فرنسا والنظام الجزائري، وعلى رأسها اتفاقية 1968 التي تنظم العلاقات بين البلدين في مجالات الهجرة والتعاون الاقتصادي والاجتماعي.

وخلال كلمتها أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، اعتبرت لوبان أن استمرار هذه الاتفاقيات لم يعد مبررا في ظل ما وصفته بـ”تدهور الثقة المتبادل”، مؤكدة أن فرنسا مطالبة اليوم بإعادة النظر في علاقاتها مع الجزائر على أسس جديدة تراعي المصالح الوطنية الفرنسية. كما أطلقت دعوة للمواطنين للتوقيع على عريضة إلكترونية للمطالبة بوقف العمل بهذه الاتفاقيات، مشيرة إلى أن المشاركة في هذه المبادرة ستكون مؤشرا على الإرادة الشعبية في تغيير المسار الدبلوماسي الفرنسي تجاه الجزائر.

تأتي تصريحات لوبان في سياق تصاعد التوتر الدبلوماسي بين باريس والجزائر منذ أبريل الماضي، عقب استدعاء النظام الجزائري لسفير فرنسا، في خطوة اعتبرتها باريس عملا استفزازيا يهدف إلى كسب تعاطف داخلي على حساب العلاقات الثنائية. ومنذ ذلك الحين، تشهد العلاقات بين البلدين جمودا شبه تام، مع تراجع مستوى التنسيق في ملفات الهجرة والأمن والطاقة.

ويمكن اعتبار أن دعوة لوبان ليست مجرد موقف حزبي، بل تعبر عن مزاج عام داخل الأوساط السياسية الفرنسية، التي باتت ترى في الجزائر شريكا صعبا وغير موثوق به، خصوصا بعد سلسلة من المواقف العدائية الصادرة عن النظام الجزائري تجاه باريس. كما أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها فرنسا جعلت بعض الأطراف اليمينية تستغل ملف العلاقات مع الجزائر لتقديم نفسها كمدافع عن السيادة الوطنية ومصالح الشعب الفرنسي.

من جهة أخرى، تمثل هذه الدعوة صفعة للنظام الجزائري الذي ظل يعتمد على الاتفاقيات التاريخية مع فرنسا كورقة سياسية واقتصادية مهمة، خصوصا في ملف الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا، التي تستفيد من امتيازات خاصة بموجب اتفاقية 1968. إنهاء هذه الاتفاقيات سيشكل ضربة موجعة للنظام الجزائري، إذ سيفقد إحدى أدواته التقليدية في التأثير على الداخل الفرنسي، وسيتضرر اقتصاديا واجتماعيا من تقلص التحويلات المالية والاستثمارات المرتبطة بتلك العلاقات.

دعوة لوبان لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الأوروبي العام، إذ تأتي في وقت تتزايد فيه الانتقادات الأوروبية لسلوك النظام الجزائري على أكثر من صعيد، سواء في ملف الطاقة أو الهجرة غير النظامية أو المواقف الجيوسياسية الغامضة التي تتبناها الجزائر تجاه روسيا وإيران. فرنسا، رغم مكانتها كأحد أبرز الشركاء الأوروبيين للجزائر، لم تعد وحدها من تشعر بالاستفزاز من الخطاب العدائي الصادر عن السلطة في الجزائر. فبروكسيل نفسها تنظر بقلق إلى سياسات الجزائر التي تتسم بالتقلب والابتزاز، خصوصا بعد أن أغلقت أنبوب الغاز نحو إسبانيا في محاولة للضغط السياسي، ما أثار استياء الاتحاد الأوروبي الذي اعتبر أن الجزائر تستعمل الطاقة كورقة نفوذ خارجية.

كما أن الموقف الجزائري من الحرب في أوكرانيا وعدم اصطفافه إلى جانب الموقف الأوروبي زاد من الفجوة بين الجزائر والعواصم الأوروبية، في وقت باتت فيه القارة تبحث عن شركاء موثوقين في مجالات الأمن والطاقة. لذلك، فإن خطوة لوبان وإن بدت داخلية الطابع، قد تفتح الباب أمام تحول أوسع في السياسة الأوروبية تجاه الجزائر، يقوم على تقليص الاعتماد عليها كمصدر للطاقة ومراجعة اتفاقيات الشراكة والتبادل معها. الأخطر بالنسبة للنظام الجزائري هو أن هذه الدعوة قد تعيد طرح ملف العلاقات الأوروبية – المغاربية على أساس جديد، تكون فيه المغرب الشريك الموثوق والمستقر، في مقابل الجزائر متوترة ومعزولة.

خطاب لوبان، وإن كان يعكس توجها يمينيا متشددا، إلا أنه يجد صداه داخل قطاعات واسعة من الرأي العام الفرنسي، ما يجعل هذه المبادرة مرشحة لأن تتحول إلى ضغط سياسي فعلي على الحكومة الفرنسية، وتهديد مباشر للنظام الجزائري الذي فقد تدريجيا كل أوراقه التقليدية في التعامل مع الغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى