
عندما يتناقض المسؤولون داخل نفس المجلس، فاعلم أن الضحك على الذقون لم يعد مجرد شبهة، بل أصبح واقعا يتنفسه الجميع. هذا بالضبط ما حدث في صفرو، حيث خرج رئيس المجلس الجماعي ليبرر تأجيل دعم الجمعيات بـ”أسباب إدارية عادية”، بينما خرج نائبه ليكشف العكس تماما، متحدثا عن محسوبية وزبونية تتحكم في منح الدعم، مشددا على ان جمعيات “الشطيح والرديح” هي من تستفيد من الدعم، اما التي تحتاج الدعم فعليا فهي من المغضوب عليهم، كما ان مجموعة من الاعضاء في الاغلبية كانت ستصوت بالرفض بسبب وجود شبهات الزبونية والمحسوبية، وانتهت المسرحية بتحديد تاريخ غير بعيد لاستكمال فصل اخر، لكننا سنحرم من مشاهدة فقرة المعارضة، لانها ستكون في قاعة المحكمة، فهل يا ترى سينفرد رئيسنا بخشبة المسرح ام ان رياح جيل زيد ستكون في الموعد .
من نصدق إذن؟ الرئيس الذي يحاول تلميع الصورة وتغطية الشمس بالغربال؟ أم نائبه الذي قرر كسر جدار الصمت والاعتراف بما يعرفه الجميع؟ الحقيقة أن ما يجري في صفرو ليس جديدا، بل هو تكرار لنفس المشهد الذي يتكرر في مدن عدة، حيث تتحول أموال الجمعيات إلى غنيمة انتخابية يتقاسمها المقربون والمحظوظون.
حين تختلف الروايات داخل المجلس الواحد، فالمواطن لم يعد بحاجة إلى لجنة تحقيق، لأن الخلاف بحد ذاته دليل على وجود خلل كبير. وإذا كان النائب يتحدث عن الزبونية علانية، فهذا يعني أن ما كان يهمس به في الكواليس أصبح اليوم يقال جهرا.
المؤسف أن الجمعيات الجادة التي تشتغل في الميدان، وتخدم الساكنة فعلا، تظل خارج لوائح الدعم، فقط لأنها لا تسبح بحمد المسؤولين ولا ترفع صورهم في أنشطتها. في المقابل، تُغدق الأموال على جمعيات الأشباح التي تظهر فقط عند اقتراب الانتخابات.
ما يحدث في صفرو اليوم يكشف بوضوح سبب خروج شباب “جيل زيد” إلى الشوارع: الفساد، التناقض، والعبث في تسيير الشأن العام. فإذا كان المنتخبون عاجزين حتى عن الاتفاق على تبرير واحد، فكيف ننتظر منهم أن يقدموا حلا واحدا لمشاكل البطالة والتعليم والصحة؟
الكرة الآن في ملعب السلطات الرقابية، لأن استمرار هذه الفوضى في تدبير المال العام هو رسالة واضحة للشباب: “لا تنتظروا شيئا من مؤسسات فقدت البوصلة”.
أما نحن، فلا يسعنا إلا أن نقول: صفرو اليوم مرآة صادقة لوضع وطني مأزوم، عنوانه الكبير غياب المحاسبة وحضور التبرير.