استدراج القاصرين من أجل “البوز”.. ممارسات غير مهنية تهدد مستقبلهم

في زمن أصبحت فيه “اللايكات” و”المشاهدات” معيارًا للقيمة الإعلامية، انجرفت بعض المنابر الصحفية ومحتويات “البوز” إلى استغلال المراهقين والقاصرين، عبر استدراجهم لتقديم تصريحات مثيرة أو استفزازية أمام الكاميرا، دون إدراك العواقب القانونية والاجتماعية التي قد تترتب عن ذلك.
هذه الممارسات الخطيرة لا تتعلق فقط بتجاوز أخلاقي بسيط، بل قد تفتح أبوابًا مظلمة أمام هؤلاء الشباب، حيث يمكن أن تُستعمل تصريحاتهم كذريعة لتأويلات مرتبطة بالتطرف أو التحريض، بما قد يغرقهم في ملفات قضائية تتجاوز أعمارهم وتجاربهم البسيطة. وفي حالات عديدة، نجد أن بعضهم يكرر ما يسمعه في الشارع أو على مواقع التواصل، دون وعي بالثقل القانوني أو الأمني لكلماته.
الصحافة المهنية، بمفهومها الحقيقي، تقوم على مبادئ واضحة: احترام كرامة الإنسان، حماية الفئات الهشة، توخي الدقة في جمع المعلومات، وتجنب تحويل المنابر الإعلامية إلى منصات استغلال. كل ميثاقات أخلاقيات المهنة، سواء وطنية أو دولية، تشدد على أن الصحفي مطالب بحماية القاصرين من أي استغلال قد يضر بهم، لا أن يستدرجهم إلى فخاخ قد تدمر مستقبلهم.
إن الصحفي، بحكم مسؤوليته، لا يمكنه أن يتعامل مع المراهق أو القاصر كـ”مصدر عادي” للتصريحات، بل يجب أن يراعي سنه ومستوى وعيه، وأن يختار نشر ما لا يضر به أو يعرضه لمخاطر مستقبلية. فأي إعلام مسؤول يسعى لتربية الذوق العام وتنوير الرأي العام، لا لإغراق الشباب في دوامة “الترند” المسموم.
إننا اليوم أمام مفترق طرق: إما صحافة جادة تضع الإنسان قبل السبق الإعلامي، أو صحافة تسعى وراء الإثارة ولو على حساب أطفال ومراهقين قد يدفعون ثمن جهلهم واندفاعهم سنوات من حياتهم. الخيار بيد الجسم الإعلامي أولًا، ثم بيد المجتمع الذي يجب أن يطالب بمحاسبة كل من يحول “البوز” إلى أداة تدمير لا أداة توعية.