أقلام حرةالعالم

هل وصلنا الى مرحلة محاصرة الدين حتى في عقر دياره

بقلم: المسكين يوسف

في مشهد صادم تناقلته وسائل الاعلام من مدينة الحمامات في تونس، اقدمت مديرة معهد بوذينة على خطوة اثارت موجة غضب واسعة بعدما حاولت منع التلاميذ من اداء الصلاة داخل المؤسسة التعليمية بل وصل الامر الى الاستهزاء بتلميذات كن يؤدين صلاتهن قبل ان تتوجه نحو التلاميذ لتفرض منطقها عليهم بحجة ان الصلاة مكانها البيت وليس المدرسة لكن الرد جاء قويا ومعبرا اذ قرر التلاميذ اقامة الصلاة جماعة متحدين قرار المديرة ورافضين اي مساس بحقهم الطبيعي والشرعي في ممارسة شعائرهم الدينية.هذه الممارسات حتى في الدول الغربية ناذرة.

هذه الحادثة ليست مجرد سوء تقدير من مديرة مدرسة بل هي مؤشر خطير على ما يمكن تسميته بمحاولة منهجية لتجفيف منابع التدين في المؤسسات التعليمية فحين يسمح للتلاميذ بممارسة كل انواع السلوكيات السلبية دون رقيب ولا حسيب وحين يتم التغاضي عن مظاهر الانحلال داخل اسوار المؤسسات التعليمية بينما يتم التضييق فقط على الصلاة فهذا يعكس ازدواجية قيمية لا يمكن قبولها تحت اي مبرر

تونس اليوم تعيش تناقضا صارخا ففي الوقت الذي يرفع فيه النظام السياسي شعارات الحرية والكرامة وحقوق الانسان ويملأ المنابر بالحديث عن استقلالية القرار وعن مقاومة الهيمنة الخارجية نجد في الواقع ممارسات تضرب ابسط حقوق الانسان وهو الحق في العبادة والاكثر من ذلك تأتي هذه الممارسات في بلد اسلامي له تاريخ طويل في الدفاع عن هويته العربية والاسلامية

الخطير في الامر ان هذا السلوك يتقاطع بشكل مباشر مع ممارسات الاحتلال الصهيوني في المسجد الاقصى حيث يمنع المسلمون من الصلاة في اوقات محددة وتفرض القيود على المصلين وكان الرسالة واحدة وهي ابعاد الناس عن دينهم وابعاد الاجيال عن هوية مجتمعاتهم لكن الفرق ان ما يحدث في فلسطين يأتي من عدو غاصب بينما ما يحدث في تونس يجري تحت غطاء ادارة تربوية يفترض انها تربي الناشئة على القيم

المديرة التي سخرت من الصلاة ووصفتها بسلوك يمكن ان يرحل الى البيت تمثل عقلية اخطر من مجرد تصرف فردي فهي انعكاس لتوجه يريد صناعة جيل بلا هوية جيل منفصل عن دينه وقيمه جيل يعتبر ان الصلاة عبء وان الدين مجرد تفاصيل يمكن الاستغناء عنها وهذا في الحقيقة هو ما تسعى اليه كل المشاريع التي استهدفت المنطقة منذ عقود عبر التعليم والاعلام والسياسة

لكن ما جرى في معهد بوذينة يحمل ايضا بشائر امل فقد اظهر التلاميذ ان الوعي ما زال حاضرا وان الدين راسخ في القلوب وان الاجيال مهما تعرضت لمحاولات التشويه تبقى قادرة على التمسك بالهوية والاصرار على اداء ابسط العبادات ولو داخل مؤسسة رسمية حاولت ان تمنعهم

المطلوب اليوم ليس فقط ادانة تصرف هذه المديرة بل فتح نقاش اوسع حول موقع الدين في التعليم وحول حقوق التلاميذ في ممارسة شعائرهم دون خوف ولا تهديد فالمؤسسة التربوية ليست فضاء للعلم فقط بل هي فضاء للتربية على القيم وعلى الحرية وعلى الكرامة واذا كان النظام يرفع شعار السيادة الوطنية فعليه ان يبدأ اولا بضمان سيادة المواطن على دينه وعقيدته داخل مؤسسات بلده

ما جرى في الحمامات قد يبدو حادثة معزولة لكنه في العمق جرس انذار يذكرنا بان الحصار على الاسلام لم يعد يقتصر على الخارج بل اصبح يجد من يحاول تنفيذه في الداخل تحت شعارات براقة ومبررات واهية وهذا ما يفرض على المجتمع بكل فئاته ان يتصدى لهذه الانحرافات وان يضع خطوطا حمراء واضحة لان الصلاة ليست ترفا بل هي جوهر الهوية الاسلامية وهي حق لا يناقش ولا يقبل المساومة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى