المغرب

بين خطاب الحكومة وواقع الشارع: يوميات مواطن مغربي

بقلم: المسكين يوسف

في الليل، وأنا جالس أمام التلفاز، صدرت لنا الحكومة نسخة “مغرب إسكندنافي”، حيث كل شيء جميل، المستشفيات مفتوحة بلا طوابير، والنقل سلس بلا انتظار، والفقر اختفى كما يختفي إعلان تجاري بعد نهاية الحلقة. كدت أصدق وأصفق لولا أن الباب انفتح فجأة، وإذا بأمي تدخل غاضبة، تلعن وتتمتم: “ذهبت منذ السادسة صباحا لأخذ موعد في المستشفى، وهذه رابع مرة أعود بخفي حنين!” عندها فهمت أن الحلم توقف عند شاشة التلفاز.

مع الفجر، هرولت للحاق بعملي، فوجدت نفسي أسير في طابور آخر: طابور سيارات الأجرة. ساعة من الانتظار، كأنها عقوبة يومية على جريمة لم أرتكبها. قلت في نفسي: “لعل الحكومة تتحدث عن نقل آخر غير هذا الذي أعرفه.” ولم يكد اليوم يبدأ حتى وجدت الطريق مسدودًا… ليس بقرار رسمي هذه المرة، بل بقطيع كلاب ضالة، كان لا بد أن أخوض معركة معها بالحجارة لأشق طريقي.

في المسير، قابلت نفس الوجوه التي أحفظها عن ظهر قلب: هذا المتسول بنغمة حزينة، وذاك بصوت مرتفع، وتلك بملامح تستدر العطف. وعلى الجانب الآخر، وجوه العمال والعاملات، يزحفون نحو المعامل كأنهم يساقون إلى قدر محتوم. كل وجه يروي قصة تعب، وأجر لا يكفي سوى لتجديد التعب في الغد. وبينما ترفع المندوبية السامية تقارير عن القضاء على الفقر، كان الفقر يعبر أمامي في شكل بشر حقيقيين.

وعندما حان وقت العودة، لم يكن القلق من الزحام وحده، بل من اللصوص الذين يملأون الطريق. كل التفاتة كنت أحسبها بميزان الحذر، وكأن الأمن الذي تبشر به الأرقام يسكن في حي آخر.

ذلك اليوم لم يكن استثناء، بل هو نسخة يومية من حياة مواطن مغربي عادي. وما بين شاشة التلفاز التي تبيعنا صورة وردية، وواقع الشارع الذي يصفعنا كل صباح ومساء، يظل السؤال معلقا: هل نكذب عيوننا ونصدق الحكومة، أم نكذب الحكومة ونصدق عيوننا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى