هل الحزب ضيعة شخصية ام مؤسسة ديمقراطية

يتابع الرأي العام ما يجري داخل بعض الاحزاب السياسية المغربية بذهول كبير امام ممارسات تعكس هيمنة البيروقراطية وتغول سلطة الفرد على حساب المؤسسات. فحين يتحول الحزب الى ضيعة شخصية يسيرها الزعيم كما يشاء، ويتحكم في المذكرات والقرارات ويقصي مناضليه من حق الاطلاع والمشاركة، نكون امام صورة معكوسة تماما لما يفترض ان يكون حزبا ديمقراطيا.
ما حدث مؤخرا داخل الاتحاد الاشتراكي خير دليل، حين رفض الكاتب الاول ادريس لشكر تمكين اعضاء المكتب السياسي من نسخة من المذكرة الموجهة الى وزارة الداخلية والمتعلقة بالاستحقاقات المقبلة. اكتفى بعرض مضامينها امام القيادة دون تمكينهم من الاطلاع على تفاصيلها، في خطوة تكشف كيف يتحول القرار الحزبي الى ملكية خاصة بيد شخص واحد بدل ان يكون نتاج نقاش جماعي.
الحزب ليس ملكا لاي شخص مهما علا اسمه او موقعه، بل هو تعاقد جماعي بين مناضلين اختاروا الالتزام بفكرة ومشروع مجتمعي. لكن واقع الحال يكشف ان بعض القيادات تتعامل مع الحزب كما لو انه هدية ورثوها من كارل ماركس او ضيعة خاصة يملكونها، لا كاطار ديمقراطي يفترض ان يخضع للنقاش والتداول.
الخطير في الامر ان هذه الهيمنة البيروقراطية تفرغ الاحزاب من مضمونها، وتجعلها مجرد ادوات انتخابية هدفها الوصول الى المواقع وتوزيع المناصب، بدل ان تكون مدارس لتكوين الوعي السياسي وبناء المواطن الواعي بحقوقه وواجباته.
حين يغيب النقاش الداخلي ويتحول المكتب السياسي الى غرفة صدى لقرارات الزعيم، يصبح الحزب عبئا على الديمقراطية بدل ان يكون رافعة لها. ويجد المناضلون الحقيقيون انفسهم امام خيارين احلاهما مر: اما الصمت والقبول بالامر الواقع، واما الانسحاب وترك الساحة فارغة امام منطق الولاء والزبونية.
ان مواجهة هيمنة البيروقراطية ليست ترفا فكريا بل شرطا اساسيا لاعادة الاعتبار للعمل الحزبي. فبدون ديمقراطية داخلية لا يمكن الحديث عن ديمقراطية وطنية، وبدون مشاركة القواعد لا معنى لشعارات التغيير والتحديث.
الحزب ليس ضيعة شخصية ولا ملكا خاصا، بل هو فضاء جماعي للتعبير والتفكير والعمل. واذا لم يستوعب الزعماء هذه الحقيقة، فان التاريخ سيتجاوزهم وسيبقى الحزب مجرد اسم في ذاكرة النسيان.




