غير مصنف

العفو الملكي خطوة مفصلية نحو مصالحة حقيقية مع الريف

في خطوة تبعث على التفاؤل، أذنت المندوبية العامة لإدارة السجون لناصر الزفزافي بحضور جنازة والده، حيث ثم نقله إلى مكان إقامة المراسم. هذه المبادرة، وإن كانت تندرج ضمن مقتضيات القانون التي تتيح للسجناء المشاركة في مناسبات عائلية استثنائية، تظل في جوهرها فعل إنساني عميق الأثر. فحضور جنازة الأب، الذي يعد من أقسى لحظات الفقد، ليس مجرد حق شكلي، بل حاجة نفسية وروحية ملحة، تخفف من وطأة الألم وتعيد للإنسان بعض كرامته، حتى وراء القضبان.

إن هذه الإشارة الإنسانية، مهما كانت بسيطة في شكلها، تحمل دلالات كبيرة. فهي تظهر أن المؤسسة السجنية قادرة على التوازن بين تطبيق القانون واحترام البعد الإنساني. لكن الأهم من ذلك، أنها تفتح الباب على أمل أوسع، وهو أمل العفو الملكي الشامل، الذي يقطع مع مرحلة ويدشن أخرى.

ناصر الزفزافي ومن معه من المعتقلين الستة، لم يظلوا مجرد أسماء في ملفات قضائية، بل أصبحوا رموزا لمرحلة معقدة من تاريخ الريف. ورغم الخلافات حول طبيعة الأحداث التي أدت إلى اعتقالهم، فإن ما لا يمكن إنكاره هو أن تلك الفترة خلفت جراحا عميقة في نسيج المجتمع المحلي. وعليه، فإن أي محاولة لإعادة بناء الثقة بين الدولة وساكنتها في هذه المنطقة، لا يمكن أن تنجح دون معالجة هذا الملف بحكمة وجرأة.

لقد بدأت المصالحة مع فتح ملفات الماضي، ومع توجه الدولة نحو تصفية الأجواء منذ مطلع الألفية الجديدة. لكن هذه المصالحة لو توجت بالإعفاء عن معتقلين الحسيمة، ما دام هناك من يرى في قضيتهم تجسيدا للإقصاء أو التمييز. لذلك، فإن العفو الملكي على معتقلي احتجاجات الحسيمة ليس تنازلا، بل هو استثمار في الاستقرار، وتأكيد على خيار الدولة بالمصالحة لا بالعقاب.

وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل دلالة الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، خصوصا حين تحدث جلالة الملك عن جبر الضرر المجالي. هذه العبارة تحمل مشروعا تنمويا وتاريخيا في آن واحد. فهي تعترف رسميا بما عانته بعض المناطق، كمنطقة الريف، من تهميش مزمن على جميع المستويات: تنموية، اجتماعية، واقتصادية. لكن الاعتراف لا يكفي، بل يجب أن يترجم إلى أفعال ملموسة، ومن بين أبرز هذه الأفعال، الإفراج عن المعتقلين، كخطوة رمزية وواقعية تؤكد أن الدولة تختار طريق الإنصاف والتقريب.

العفو الملكي في هذه اللحظة ليس مجرد قرار إداري أو قانوني، بل هو رسالة وطنية جامعة. رسالة تقول إن المغرب يختار الوحدة على الانقسام، والمصالحة على الانتقام، والإنصاف على التهميش. كما أنه فرصة تاريخية لإغلاق صفحة مؤلمة، والانطلاق في بناء علاقة جديدة بين الدولة والريف، علاقة تقوم على الثقة، والعدالة، والتنمية.لقد آن الأوان لأن يكون العفو على معتقلي الحسيمة رمزا لهذا التحول الجذري.

خطوة نقل ناصر الزفزافي لحضور جنازة والده، قد تبدو صغيرة، لكنها تحمل في طياتها إمكانية كبيرة. فهي تذكير بأن وراء كل قضية، إنسان، وراء كل سجين، قلب يتألم، وروح تتوق إلى الحرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى