
ها هم كبار المستثمرين الذين ملأوا الدنيا ضجيجا بـ”الذهب الأخضر” يكتشفون أن أفوكادوهم لم تكن سوى “نحاس أخضر”. نصف المحصول تبخر في أقل من أسبوع، والنصف الآخر ينتظر دوره تحت شمس لا ترحم. إنها ملهاة فلاحية تستحق التصفيق، فكيف لفاكهة تلتهم الماء بلا شبع أن تصمد في أرض عطشى؟
المستثمر الذي ظن نفسه أذكى من الطبيعة، زرع شجرة لا ترتوي إلا بالأنهار، ثم صدّرها لأوروبا ليجني العملة الصعبة. لكن الطبيعة كان لها رأي آخر: حرارة زائدة، عطش متراكم، وخسائر بالملايين. المشهد أشبه بتاجر يسكب زجاجات الشامبانيا في الصحراء، ثم يبكي لأنه لم يجد ما يشربه.
المفارقة أن هؤلاء المستثمرين الذين يملكون آلاف الهكتارات ويحسبون الأرباح باليورو، وجدوا أنفسهم فجأة في موقف هزلي: يقلبون ثمارا محترقة ويعدون خسائرهم كما يعد المقامر أوراقه بعد جولة خاسرة. أما الفلاح الصغير، الذي لم يذق طعم الأفوكادو إلا في الصور، فهو اليوم أول من يدفع ثمن نزواتهم: بئر جف، أرض عطشت، ومحاصيل تقليدية هلكت.
لقد تحولت “الأفوكادو” من فاكهة فاخرة إلى درس مجاني في الغباء الاستثماري: لا تراهن على شجرة عطشى في بلد يعاني العطش. وربما كان الأجدر بالمستثمرين أن يتذكروا أن الماء أغلى من العملة الصعبة، وأن الطمع لا يورث سوى الخسارة. في النهاية، الطبيعة وزعت أوراقها، والمستثمر الكبير وجد نفسه بلا ربح ولا ماء.. تماما كما يقول المثل: “نية العمى يلقاها فعكازو”.