
لا يمكن الحديث عن إقلاع حقيقي لمنطقة شمال إفريقيا دون الاعتراف الواضح والصريح بمغربية الصحراء كأمر واقع سياسي وتاريخي وقانوني. فالقضية لا تتعلق فقط بنزاع مفتعل عمره عقود، بل بمنعطف استراتيجي يحدد مستقبل التعاون والأمن والتنمية في كامل المنطقة.
مغربية الصحراء لم تعد فقط موقفا سياديا للمغرب، بل تحولت إلى معيار لقياس صدق الشراكات الإقليمية والدولية. فالدول التي اختارت الاعتراف بوحدة التراب المغربي، فهمت أن رهان الاستقرار لا يمكن أن يستقيم في ظل دعم كيان وهمي يقوم على الانفصال والتفتيت والتبعية لأجندات خارجية.
إن شمال إفريقيا، بما يزخر به من ثروات بشرية وطبيعية وموقع جغرافي استراتيجي، يظل رهينة لجمود سياسي مزمن سببه الرئيسي عدم الحسم في ملف الصحراء المغربية. ولا يمكن لأي حلم بالاندماج الاقتصادي أو التكتل الإقليمي أن يتحقق ما دامت أطراف في المنطقة ترفض الاعتراف بمغربية الصحراء وتصر على تبني مواقف عدائية تؤجج التوتر وتغذي الانقسام.
لقد أثبت المغرب، عبر النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية، أن الصحراء ليست عبئا بل رافعة للتنمية والتكامل الإفريقي. فالموانئ الكبرى، والبنيات التحتية الحديثة، والمشاريع الاقتصادية الرائدة، كلها شواهد على أن الصحراء تمثل عمقا استراتيجيا للمغرب ولإفريقيا ككل.
في المقابل، فإن إصرار بعض الأنظمة على عرقلة هذا المسار، لا يخدم سوى مصالح القوى التي تتغذى من النزاعات وتقتات من بؤر التوتر. وهي بذلك تعاكس منطق التاريخ وتجهض آمال شعوب المنطقة في التقدم المشترك.
لهذا، فإن مستقبل شمال إفريقيا يمر حتما عبر باب مغربية الصحراء. وكل تأخير في الإقرار بهذه الحقيقة، هو تأخير لقطار التنمية، وتكريس لحالة الجمود التي تعرقل أي حلم ببناء مغرب عربي موحد وآمن ومزدهر.