الهوية المغربية بين الثوابت الملكية وزيف الادعاءات

في خطابه السامي بمناسبة عيد العرش المجيد لسنة 2025، اختار جلالة الملك محمد السادس أن يختم بكلمات قرآنية بليغة: “فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. اختيار ليس اعتباطيا، بل يرسم بدقة خريطة القيم التي تؤسس للهوية المغربية: الإسلام، الأمن، والاستقرار، في ظل إمارة المؤمنين.هذا الختام الملكي جاء في لحظة يكثر فيها المشككون والمتطاولون على ركائز الهوية المغربية، من داخل الوطن وخارجه، بدعوى “الحداثة”، أو باسم “التحرر من القيود”، أو حتى بدعوى “الانتقال الديمقراطي”. بعضهم يحاول التشكيك في دور المؤسسة الملكية، وآخرون يهاجمون الدين كمرجعية روحية وثقافية للمغاربة، وغيرهم يسخر من التقاليد والرموز الجامعة للأمة.لكن هذا الخطاب الملكي جاء ليضع النقاط على الحروف. ففيه تأكيد صريح على أن وحدة المغاربة وهويتهم لم تُبنَ على فراغ، بل على مرجعية دينية ومؤسساتية متجذرة في التاريخ. فقد ظل المغاربة على مدى قرون يجتمعون حول إمارة المؤمنين، باعتبارها رمز السيادة والحماية الشرعية، وملاذا ضد الفتن والاختراقات.حين يقول الملك: “الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”، فهو لا يكتفي باستحضار النص القرآني، بل يضعه في سياق مغربي واضح. المغرب بلد يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى، لكنه في الآن ذاته بلد ينعم بالاستقرار في محيط إقليمي ودولي مضطرب. بلد لم تنهر فيه المؤسسات، ولم تنفجر فيه الحروب، ولم تنقسم فيه المجتمعات على أسس طائفية أو جهوية.أما من يحاول ضرب الهوية المغربية، سواء عبر خطاب انفصالي، أو عبر حملات خارجية مشبوهة، أو عبر استغلال الحريات لبث خطاب الفتنة والشك، فإنهم يتجاهلون عمدا أو جهلا أن المغاربة ليسوا شعبا بلا ذاكرة. فهم أبناء حضارة ضاربة في العمق، تشكلت عبر الإسلام المالكي المعتدل، والبيعة الشرعية، والتنوع الثقافي الموحد تحت راية الوطن.في نهاية المطاف، فإن ختم الخطاب بهذه الآية هو رسالة بليغة: أن الأمن والعيش الكريم في هذا الوطن لم يكونا صدفة، بل نتيجة لاجتماع المغاربة حول ثوابتهم. ومن أراد أن يشكك في هذه الثوابت، فعليه أن يواجه أمة لها جذور، وشعبا لا ينساق بسهولة خلف الشعارات العدمية.الهوية المغربية ليست شعارا سياسيا، بل عقد جماعي بين الملك والشعب، يستمد مشروعيته من الدين والتاريخ والتجربة، ويثبت يوما بعد يوم أنه الحصن الحصين في وجه دعاة التيه والتمزيق.