
رغم ان المديونية توصف احيانا كاداة للتمويل والتنمية، الا ان واقع الدول النامية يظهر عكس ذلك. فقد اصبحت القروض الخارجية سلاحا ذا حدين، يكبل القرار الاقتصادي، ويقف في وجه الصناعات الوطنية والزراعة التي تلبي حاجيات السكان.
تحت ضغط سداد الديون وفوائدها المرتفعة، تجد الحكومات نفسها مجبرة على تقليص ميزانيات القطاعات الحيوية، كالصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، مقابل ضخ اموال ضخمة في مشاريع موجهة للتصدير او لتلبية شروط المؤسسات المالية الدولية. والنتيجة؟ تحول الزراعة الى نشاط يخدم الاسواق الخارجية لا الاسواق المحلية، وتراجع الصناعات الوطنية امام المد الاجنبي.
تمنح الاراضي الخصبة للمشاريع التصديرية، وتستنزف الموارد المائية لزراعات كالافوكادو او الشمام في وقت يعاني فيه السكان من نقص حاد في الماء الصالح للشرب. اما الصناعة المحلية، فغالبا ما تهمل او تترك لمصيرها في منافسة غير عادلة مع الواردات الرخيصة، وهو ما يؤدي الى فقدان مناصب الشغل وتراجع الاستقلال الاقتصادي.
لقد اظهرت تجربة العديد من الدول ان طريق الخروج من فخ الديون لا يمر عبر المزيد من الاقتراض، بل عبر اعادة توجيه الاقتصاد نحو تلبية الحاجيات الوطنية، ودعم الانتاج المحلي، وتحقيق السيادة الغذائية.
العدالة الاقتصادية ليست شعارا بل ضرورة. ومواجهة المديونية تبدا بارادة سياسية تعيد الاعتبار للزراعة التي تطعم الناس، وللصناعة التي تشغل اليد العاملة، بدلا من اقتصاد مرتهن للاسواق الخارجية ولسقف المديونية الدولية.