أمزازي يطلق رهان الرقمنة من سوس ماسة: شباب الهامش إلى قلب الذكاء الاصطناعي

في مشهد تنموي يشي بالكثير من التحول في الرؤية والسياسات، اختارت جهة سوس ماسة أن تحتفي، لا بتقليد إداري ولا بتدشين إسمنتي، بل بأثر ملموس: شباب كانوا بالأمس خارج منظومة التعليم والعمل والتكوين، باتوا اليوم يحملون مفاتيح المستقبل في مجالات تُصنّف ضمن أقوى القطاعات الواعدة في الاقتصاد العالمي، وهي الرقمنة والذكاء الاصطناعي.
ترؤس السيد سعيد أمزازي، والي الجهة، لحفل تكريم الفوج الأول من هؤلاء الشباب، لم يكن فقط تأكيداً على نجاح تجربة محلية، بل كان ترجمة فعلية لتوجيهات ملكية راسخة، تضع العنصر البشري في قلب التنمية، وتجعل من الاستثمار في الكفاءات رهانا وطنيا لا يقبل التأجيل.
ما يُحسب لهذا المشروع ليس فقط دقته في استهداف فئة “NEET” – وهي الفئة الأكثر هشاشة وتهميشا – بل قدرته على تحويل الهشاشة إلى فرص، واليأس إلى كفاءات، والعزلة إلى مواطَنة رقمية. فأن تدمج شاباً من الهامش في منظومة الذكاء الاصطناعي، هو فعل سياسي وتنموي بامتياز، يتجاوز بكثير منطق “الإدماج الاجتماعي” التقليدي.
وفي زمن باتت فيه الرقمنة لغة العمل والاستثمار والابتكار، لا يمكن الحديث عن تنمية دون تأهيل رقمي حقيقي. وقد نجح هذا البرنامج – بتكوين فاق 860 ساعة – في تقديم نموذج جديد للتكوين المواكِب، القائم على التأطير العملي والمصاحبة نحو سوق الشغل، وليس مجرد تلقين نظري عابر.
اللافت أيضاً هو بُعد الشراكة المتعددة المستويات: الدولة ممثلة في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المجتمع المدني من خلال مدرسة الرقميات المغرب، والجهات المنتخبة، والشركاء الدوليون مثل جهة “فال دواز” الفرنسية. هذه المعادلة الجديدة في التدبير التشاركي تمثل نقلة نوعية في الفعل التنموي، وتفتح الباب أمام مقاربات مهيكلة تقطع مع المشاريع المعزولة وردود الفعل الظرفية.
نسبة الإدماج التي بلغت 92% ليست فقط رقماً، بل شهادة على أن التكوين حين يُبنى على رؤية ومواكبة وجرأة، فإنه يغيّر المسارات، ويصنع الأثر.
ما تحقق في سوس ماسة اليوم ليس سوى اللبنة الأولى. والتحدي الأكبر الذي يجب أن يحظى بالإرادة ذاتها هو: توسيع هذا النموذج ليشمل المناطق القروية، والجهات الأقل حظاً، وترسيخ العدالة المجالية الرقمية كحقٍّ مواطناتي أساسي.