أقلام حرة

إنتبه … الهواتف لا أرواح لها … فلا تدعها تسلب روحك !!

playstore

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين اكادير يناير 2025؟
مقال:(07)
الهواتف لا أرواح لها : تجربة جديرة أن تروى من وحي حدث شخصي، فقد كنت في نهاية الأسبوع في سفر إلى الأقاليم الجنوبية، وأثناء الرحلة اصيب هاتفي بعطب جعله خارجة الخدمة بسبب عطب في البطارية جاري البحث عن أخرى لتعويضها .
خلال هذه الفترة اقتنيت هاتفا ممن يسميه المغاربة ( بيل ). كان الغرض هو أن اتواصل مع من يتصل دون القدرة على الاتصال لان الأرقام مسجلة في جوجل و هو لا يعمل في مثل هذه الهواتف.
كانت القاعدة الاولى أن تجيب على كل متصل دون أن تعرف هويته. وهذا في حد ذاته يجعلك تتصالح مع نفسك عبر قدرتك على الرد على اي متصل بلا انتقاء او مخافة الرد على شخص غير مرغوب فيه … والحمد لله اني لا انزعج من اي اتصال الا اذا تكرر بشكل مزعج وانا في موقف لا يسمح بالرد . كأن اكون بالمسجد و سهوت عن إغلاق رنة الهاتف ، فيرافقني صاحبي باتصالاته المتكررة طيلة الصلاة خالقا ازعاجا للمصلين .
القاعدة الثانية هي أنك وجدت نفسك تعطي للهاتف معناه الاصلي و هو الرد على المكالمات بعيدا عن فضاءات التواصل الإجتماعي، ولانني لست مجرد مستهلك ومتتبع لهذه الفضاءات ، ولكوني ملزم بنشر مقالاتي و منشوراتي على صفحة اليراع فقد أحسست ببعض الضيق من ذلك . دون أن انكر أن للأمر علاقة بسلوك اعتيادي يومي انقطع بشكل مفاجئ و ابعدني عن فسحة اقضي فيها جزءا غير يسير من اوقات يومي .
لا يمكنك أن تحس باي نقص وانت بلا هاتف مربوط بفضاءات التواصل الإجتماعي ، فيمكن ان يكون الأمر استراحة مقاتل أو عطلة قصيرة و تعود بعدها إلى سابق عهدك عندما تصلح هاتفك ، لكن أحذرك من التواجد بالأماكن العمومية كالمقهى، فكما ينصح المتوقف عن التذخين أن لا يكون من رواد المقاهي في الأسابيع الاولى للتوقف عن التذخين، فإنك بدون هاتف ذكي انصحك بعدم الجلوس بالمقهى حيث ستحس بغربة غريبة ، حين تحدق فيمن حولك كل واحد غارق مع منشورات تبعث له على هاتفه .وانت مسمر بمكانك تحملق يمينا و يسارا!!!
يطفو سؤال إلى السطح حين ترى الناس في فضاء عمومي لكنهم لا يتواصلون مادام كل واحد غارقا في هافه : فلماذا يفيد الجلوس بالمقهى إن لم يكن للتواصل و المحادثة مع الأصدقاء؟
ينتفي مفهوم الفضاء العمومي و الفرد يعيش في فضاءه الخاص وسط هذا الفضاء!!!!!.
نعم ، لقد أصبح عدم حمل الهاتف وعدم امتلاك حسابات في شبكات التواصل الإجتماعي اشبه ببدوي في المدينة أو بغريب في بلاد لا يتكلم لغتها ، أو اشبه بفتاة بدوية في حفل ماجن …
من خلاصات هذه التجربة ، ذلك الاحساس الذي ينتابك بالغربة و الابتعاد و العزلة و حتى الدونية و الاختلاف الذي يشعرك بالنقص ، لانك لا تملك بين يديك ما أصبح سبحة في يد كل الناس باختلاف أعمارهم، مما يعني بلا تحفظ اننا بالفعل أصبحنا أسرى الهاتف الذي يوجهنا على هواه ، فحتى برامج البحث استطاعت أن تجاري اهتماماتنا و تقدم لنا العروض دون طلبها ، فيكفي أن تتوقف لثواني لمشاهدة مقطع يخص حذاء رياضيا مثلا ، إلا و توالت الإعلانات على هاتفك تقدم لك العشرات من العروض الخاصة بالاحذية الرياضية .
نحن هنا أمام إقرار بأن الاستلاب أصبح هو التعبير المناسب لهذه الحالة من الارتباط اللاارادي مع الهاتف و فضاءات التواصل الاجتماعي.
استغرب ممن يعدون برنامجا لوضع شريحة بدماغ الإنسان، والإنسان لا يبدو في حاجة إلى شريحة مادام الهاتف يقوم بهذا الدور بامتياز !!!!
التلاميذ في طريقهم إلى المدرسة كل اذانهم مربوطة بسماعات تبث في اذمغتهم ما يشتهون ، و في فترات الاستراحة اما يقفون جماعات يستعرضون ما شاهدوه على فضاءات التواصل الاجتماعي، أو كل واحد منزوي بزاوية يشبع رغبته في المشاهدة و الاستماع قبل العودة لحصص الفصل .
يحكي صديق تقاعد قبل شهور من بنك كيف كان يستغرب من الجيل الجديد الذي يعمل بالوكالة كيف انهم وفي خضم اشتغالهم لا يفارقون هواتفهم و لو باطلالة خاطفة بين تحويلة و اخرى، مع ما يتطلبه عملهم من تركيز!!!!
نشرات الاخبار وهي تغطي الملتقيات وحتى مباريات كرة القدم ، تنقل لك صورا للجالسين الذين يفترض فيهم انهم جاؤوا لمتابعة ندوة أو مباراة أو مسرحية ، يتركون ماجاؤوا لمتابعته وهم منهمكون في تتبع هواتفهم !!!!
يمشون جنب الشاطئ أو بين أشجار الغاب أو في حديقة ، وبدل أن يستمتعوا بصوت الطبيعة تجدهم يضعون سماعات يستمعون إلى اغاني صاخبة ، فتتيه أرواحهم بين الفضاء و بين الصوت القادم من الهاتف!!!!
لنعترف أن الإنسان بدأ يفقد انسانيه مقابل زحف التكنولوجيا ، و الحمد لله أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع أن ينظم شعرا ، لأن أجمل ما في الإنسان روحه التي أودعها الله فيه ، وهي التي قد تسلبتها التكنولوجيا منك ، لكنها مؤكد عاجزة عن زرع روح أخرى فيك .
فهل تعتبرون؟

sefroupress
playstore

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WeCreativez WhatsApp Support
فريق صفروبريس في الاستماع
مرحبا