بقلم /الأستاذة مريم هاشمي علوي عدل موثقة بمكناس
كما يعلم الجميع أن الهيئة الوطنية للعدول تخوض إضرابا منذ الاثنين الماضي 29يناير 2024 إلى يوم الاثنين المقبل 5 فبراير 2024، إذ يتساءل المواطنون عن سبب هذا الإضراب اليوم؟ ، بسبب الحدث الاستثنائي الذي خلفه تصريح وزير العدل السيد ”عبد اللطيف و هبي” ، أمام مجلس المستشارين يوم الثلاثاء23 يناير 2024،بشأن التوثيق العدلي وكذا المشروع المتعلق به. على إثر ذلك تداول المكتب التنفيذي خوض إضراب وطني كمرحلة أولى لمدة أسبوع كامل، مع تسطير برنامج نضالي بشكل تصاعدي وعلى مراحل لفرض الشرعية وتحقيق المطالب المفصلية للسيدات والسادة عدول المملكة، وفق المرجعيات والحقوقية وتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة. فأمير المؤمنين حفظه الله وافق على توصية الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة بوجوب مراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بودائع المتعاملين مع المهن القضائية والقانونية في اتجاه حمايتها وتحصينها. تضاف هذه المحطة النضالية للهيئة الوطنية للعدول ، للمحطات النضالية السابقة للهيئة الوطنية للعدول الموثقين، بسبب الحيف والظلم الذي أصاب مهنة التوثيق العدلي وممتهنيها، على كافة المستويات التشريعية و القانونية و الإجرائية ، وفي الماضي القريب استغربت الهيئة الوطنية للعدول من مقتضيات التي جاء بها قانون المالية 2023، المادة 8، المتعلق بدعم السكن الرئيسي الذي جعل من بين شروط الاستفادة منه إبرام عقد الوعد بالبيع والبيع النهائي لدى موثق، في إقصاء لا مبرر للسيدات والسادة العدول الذين يمارسون مهنة التوثيق منذ القدم وبقوة القانون على قدم المساواة مع نظرائهم الموثقين. واعتبر ريعا تشريعيا وتمييزا يضرب في صميم حرية التعاقد وينافي مع جاء به دستور 2011 ، من خلال مبدأ المساواة وتكافئ الفرص بل و يتناقض مع مقتضيات المادة 4 من مدونة الحقوق العينية(39.08) ، و يحمل في طياته محاباة مكشوفة لفئة مهنية على حساب فئة مهنية أخرى. فالمحررات التي تنجزها الهيئة الوطنية للعدول لها القيمة القانونية الرسمية نفسها، مثلها مثل العقود التوثيقية ، إنما هذه الخطوة تضيق على المواطنين والمواطنات مجال الاستفادة من الخدمات التوثيقية ويصادر حرية اختيارهم بين العدول أو الموثقين، خاصة أن الدعم المباشر يلغي من الأساس إشكالية الودائع، التي كانت ذريعة اشتراط إبرام عقود السكن الاجتماعي لدى الموثق، وقد راسلت الهيئة الوطنية للعدول وزارة المالية لمضلمتها من هذا التمييز والحيف اللامنطقي ولاواقعي ، دون جدوى واختيار أسلوب الفرض الأحادي على أسلوب التشارك والتشاور والحوار والإقناع. واليوم فاحتجاج السادة العدول وهو بيت القصيد ونازلة الحال، حرمان الهيئة الوطنية للعدول من آلية ”صندوق الإيداع والتدبير” كآلية ووسيلة لحفظ حقوق الدولة وحقوق المتعاقدين، وليست من الاختصاصات حسب القانون المغربي، كما أنها في الحقيقية ليست من الحقوق التي تخول للمهنيين بل هي من الواجبات على عاتق المهنيين الممارسين للمهنة التوثيق بالبلاد. وتعد الغاية من صندوق الإيداع والتدبير ،تحقيق الأمن التعاقدي و التوثيقي لصالح المواطن والوطن. وليس لفئة مهنية معينة ، ولأن المصلحة العامة فوق كل الفئوية واعتبار ، فكما هو في علمكم فإن السادة العدول مؤهلون لمزاولة مهنة التوثيق تطبيقا للمادة 9، من المرسوم التنظيمي لقانون خطة العدالة ، وفي هذا الخصوص يقوم السادة العدول استخلاص حقوق الخزينة وغيرها، من الإدارات كالجماعات المحلية بالنسبة إلى طلب بعض المعلومات المتعلقة ببعض العقارات ووثائق التعمير ومكاتب الاستثمار الفلاحي ، فيما يخص بعض الاجراءات الإدارية المتعلقة بالأراضي الفلاحية الموجودة داخل دوائر الري وأراضي الضم والمصالح الغابوية فيما يتعلق بالتعاقد في عقارات الملك الغابوي أو غير ذلك من الإدارات العمومية …و الخاصة التي لها العلاقة بالشهادة موضوع التلقي الناجم عن تفويت العقارات بالمعاوضة أو التبرع. و من أجل حماية و حفظ حقوق المشتري عمد المشرع المغربي إلى التنصيص على ذلك في المادة 17 من قانون (16.03) ، و الفصول 908و909 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، المتعلق بعقد الوكالة في الودائع. لاريب أن لعلم التوثيق العدلي أهمية كبرى في شتى المجالات سواء المجال الاجتماعي أو الاقتصادي ، ويعتبر توثيق المعاملات المختلفة بين الناس عنصرا ضروريا وحيويا لبناء المجتمع اقتصاديا وضمان استقراره اجتماعيا. والتوثيق العدلي بالمغرب له تاريخ عريق ممتد الجدور عبر القرون منذ دخول الإسلام ، حيث قام بإدوار متعددة زيادة على توثيق الحقوق والمعاملات والحفاظ على أعراض الناس وأنسابهم ، وكان له ولايزال له دور فعال في توثيق بيعة الملوك والسلاطين المغاربة، كما يشكل دعامة أساسية للمنظومة القضائية من حيث تحضير وسائل الإثبات التي تمكن القضاء من فض النزاعات والفصل في الخصومات ، ناهيك عن دوره في التنمية العقارية و الاقتصادية والاجتماعية وبذلك يساهم في تحقيق العدالة الوقائية والأمن التعاقدي . مطالبنا اليوم مفصلية و ضرورة مهنية وحق دستوري، فبنود مسودة مشروع قانون(16.22) ، المسربة و على سبيل المثال لا الحصر المادة 52 ، هو ضرب صارخ للحقوق المهنية وجريمة مفتعلة ستقيد العدل على مستوى الممارسة العملية ، تحت المسألة التأديبية و الزجرية. فتمرير هذه المسودة على هذا الشكل ، هو عقاب للرجل أو للمرأة العدل في اختيارها لهذ المهنة. لذا ليس المهم هو وضع قانون نفترض أنه صالح في وقت من الأوقات لكن المقابل يجب وضع قانون نتبع آثاره وتبعاته على المجتمع من خلال ملائمة تطبيقه على أرض الواقع، وهذا هو عين الحكمة و الصواب.لا يفوتني أن أقف و أذكر بأن السيدات والسادة العدول الموثقون ، أصبحوا اليوم مقتنعين أكثر من ذي قبل بضرورة إشراكهم والأخذ بآرائهم وإنصافهم في بعض المجالات التي تعرف احتكارا واسعا من طرف بعض المهنيين، خاصة في مجال المعاملات العقارية، إذ لا يمكن بأي حال إقصائهم وحرمانهم من آلية صندوق الإيداع و التدبير، والعمل بميدأ المساواة التي نص عليها دستور المملكة الشريفة، بين المهن الممارسة للتوثيق، إذا كانت وزارة العدل حريصة على تحقيق الأمن التوثيقي على الوجه المطلوب. والغريب في الأمر أن المقتضيات القانونية الضريبية وغيرها، تخاطب السادة العدول والسادة الموثقين بنفس الأحكام و المقتضيات حينما يتعلق الأمر بالواجبات و الالتزامات و لاسيما المقتضيات العقابية، لكنها حينما يتعلق الأمر بالحقوق والامتيازات تفضل جهة على أخرى وهذه مفارقة عجيبة . لذلك نحن اليوم نقف وقفة محارب لا نصاف هذه المهنة التي طالها الحيف والريع التشريعي، رغم المستوى القانوني و التوثيقي و الاجرائي الجيد والممتاز للسيدات و السادة العدول الموثقون، ونناشد جلالة الملك محمد السادس نصره الله للتدخل العاجل لفض هذا النزاع المفتعل ، وإرجاع الحقوق لأصحابها و تدخل جميع جهات التشريع في وطننا الحبيب والتحكيم إلى منطق العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، دون إقصاء أو تمييز بين هذا المهني أو غيره.