
جدّدت مملكة الأراضي المنخفضة (هولندا)، أمس الجمعة في لاهاي، تأكيد دعمها الواضح والصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل “واقعي وعملي” لتسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء، وذلك في إعلان مشترك وقّعه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الهولندي ديفيد فان ويل عقب جلسة مباحثات ثنائية. هذا الموقف الذي يتكرر من لاهاي منذ سنوات، يعكس تماسك الرؤية الهولندية وتحوّلها إلى دعم ثابت ينسجم مع الدينامية الدولية المتصاعدة لصالح المبادرة المغربية.
الإعلان المشترك اعتبر مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية “المسار الأكثر جدية ومصداقية” لدفع العملية السياسية نحو حل نهائي، وهو توصيف دبلوماسي بالغ الأهمية، لأنه يستعمل نفس اللغة التي تربطها الأمم المتحدة بالتسوية الواقعية وذات المصداقية. بعبارة أخرى، هولندا لا تكتفي بتأييد سياسي عام، بل تؤكد أن المبادرة المغربية هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق، وهو موقف ينسجم مع ما عبرت عنه مدريد وبرلين وواشنطن وعدد من العواصم المؤثرة.
كما رحّبت لاهاي باعتماد مجلس الأمن القرار 2797، مؤكدة دعمها الكامل لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي من أجل إطلاق مفاوضات “جادة وذات مصداقية”، أي مفاوضات تقوم على المبادرة المغربية، وليس على الطروحات القديمة التي أثبتت فشلها. هذا الاصطفاف الأوروبي المتنامي خلف الحكم الذاتي يساهم في عزل الخطاب الانفصالي ويدفع بالمسار السياسي نحو أرضية أوضح وأكثر واقعية.
وفي الشق الإقليمي، أبرز الإعلان المشترك اهتمام هولندا بالمبادرات الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس، وفي مقدمتها منتدى الدول الإفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، إضافة إلى مشروع خط أنبوب الغاز الأطلسي–الإفريقي. هذه المشاريع لا تندرج فقط ضمن استراتيجية مغربية لتعزيز الترابط القاري، بل تمثل رؤية لتكامل اقتصادي وجيوسياسي يعيد صياغة دور إفريقيا داخل فضائها الأطلسي، ويحوّل المنطقة من مجال هشّ إلى قطب استراتيجي قادر على إنتاج النمو والاستقرار.
اهتمام هولندا بهذه المبادرات يعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا بأن المغرب أصبح فاعلًا محوريًا في الأمن الإقليمي والطاقة والهجرة والتنمية الإفريقية. فالدول الأوروبية، وعلى رأسها هولندا، باتت ترى في الرباط شريكًا استراتيجيًا لا مجرد طرف في نزاع إقليمي، وهو ما يفسّر انسجام مواقفها مع الدينامية التي تقودها الدبلوماسية المغربية.
في الخلاصة، يضيف هذا الموقف الهولندي حلقة جديدة إلى سلسلة الاعترافات والدعم المتصاعد للمبادرة المغربية، ويؤكد مرة أخرى أن التوجه الدولي يسير نحو حل واحد: حكم ذاتي موسّع تحت السيادة المغربية، باعتباره الإطار الواقعي الوحيد القادر على إنهاء النزاع وفتح آفاق تعاون إقليمي أوسع، خصوصًا في ضوء صعود المبادرات الأطلسية التي تعيد رسم موقع إفريقيا والمغرب داخل التحولات الجيواستراتيجية الكبرى.




