
في الآونة الأخيرة، تصاعدت وتيرة الهجمات السياسية الموجّهة ضد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة المغربية، قصفٌ لم يعد يأتي فقط من معارضي الخارج، بل من قلب الأغلبية نفسها. حزب الأصالة والمعاصرة، الشريك الأساسي في التحالف الحكومي، لم يتردد في انتقاد أداء عدد من وزراء الأحرار، بل وجّه لهم انتقادات مباشرة في ندوة عمومية بمدينة بني ملال، ما فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: هل نحن أمام بداية تفكك الأغلبية؟ وهل يتشكل في الخفاء تحالف مضادّ يقوده خصوم الأحرار داخل وخارج الحكومة؟
العدالة والتنمية، وعلى الرغم من انكفائه السياسي منذ انتخابات 2021، لم يفوّت الفرصة بدوره. الحزب الذي يقف اليوم في المعارضة، استعاد شيئًا من نبرته الهجومية، وخصّص جزءًا كبيرًا من خطابه السياسي لمهاجمة ما يسميه “تحالف المال والنفوذ”، في إشارة واضحة إلى حزب الأحرار وزعيمه عزيز أخنوش. لغة البيجيدي لم تعد تكتفي بالنقد العام، بل بدأت تركّز على ملفات دقيقة: غلاء الأسعار، فشل إصلاح التعليم، وخفوت أثر البرامج الاجتماعية الكبرى.
لكن المفاجأة الأبرز جاءت من اليسار ، ممثلًا في نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، التي رفعت في الفترة الأخيرة من حدة انتقاداتها لحزب الأحرار. منيب اعتبرت أن الحكومة الحالية تُكرّس “تحكمًا ناعمًا” باسم التكنوقراط، وتُقصي الأحزاب الحقيقية، متهمةً الأحرار بتمرير سياسات ليبرالية مفرطة على حساب الفئات الهشة. بل لم تتردد في الحديث عن “مشروع سياسي طبقي” يخدم المصالح الكبرى ويُقصي صوت الشارع.
هذه الهجمات، وإن اختلفت في الخلفيات الإيديولوجية واللغوية، إلا أنها تلتقي في نقطة واحدة: خلق جبهة سياسية مضادة للأحرار، سواء بشكل مباشر أو غير معلن. الأصالة والمعاصرة تنأى بنفسها تدريجيًا، العدالة والتنمية يتهيأ للعودة، ونبيلة منيب تحاول قيادة يسار معارض أكثر صلابة، أما أحزاب مثل الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية فتراقب المشهد بذكاء، وقد تلتحق بالركب في حال توفر الظرف المناسب.
التحليل السياسي يذهب أبعد من ذلك. البعض يقرأ هذه الاصطفافات كخطوات تمهيدية لمرحلة إعادة رسم الخريطة الانتخابية لعام 2026، أو حتى قبل ذلك، إذا ما فرضت الظروف تعديلًا وزاريًا أو تصدعًا حكوميًا مبكرًا. فحزب الأحرار، ورغم هيمنته النيابية، بدأ يفقد تدريجيًا ذلك “الهامش الآمن” الذي كان يتمتع به داخل الأغلبية. وإذا استمر الضغط على وتيرته الحالية، فإن السيناريو الأرجح سيكون ولادة تحالف مضاد، إما داخل البرلمان أو خارجه، يُعِدّ الأرضية لتوازن جديد في المشهد السياسي المغربي.
وفي كل الحالات، الأكيد أن ما يجري ليس مجرد تبادل عابر للاتهامات، بل مؤشر على مرحلة سياسية جديدة قد تنهي مرحلة “الهيمنة الهادئة” التي مارسها حزب الأحرار منذ 2021.