شهدت المملكة المغربية تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس جهودا حثيثة ومبادرات رائدة لتحقيق التنمية الشاملة في مختلف المناطق، بما في ذلك المناطق الصحراوية الجنوبية. وتعد تنمية الصحراء من أبرز الأولويات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، وتوفير حياة كريمة لسكان هذه المناطق، وذلك نظرا لأهمية هذه المنطقة ودورها الاستراتيجي في النسيج الوطني، فضلا عن تحقيق التكامل الترابي وتعزيز الوحدة الوطنية.
فقد شهدت منطقة الصحراء المغربية دينامية سياسية، اجتماعية، واقتصادية رائدة رافقها تنزيل العديد من المبادرات السياسية ذات الطابع الاجتماعي لضمان حياة كريمة للمجتمع الصحراوي المغربي بالموازاة مع الإصلاحات الاقتصادية والحقوقية والسياسية.
فقد باشر جلالة الملك محمد السادس منذ توليه مقاليد الحكم بالمملكة، تنزيل وإطلاق العديد من المشاريع الكبرى في مجالات البنية التحتية، والاقتصاد، والتعليم، والصحة، إلى جانب تطوير قطاعات السياحة والطاقة المتجددة والزراعة بالمناطق الصحراوية.
وهذا ماسنحاول رصده من خلال هذه المداخلة انطلاقا من النموذج التنموي الجديد لمناطق الصحراء المغربية والذي يعتبر خطة استراتيجية أطلقها الملك محمد السادس عام 2015، تندرج ضمن التوجه الذي تعتمده المملكة المغربية في الدفاع عن صحراءها، ويهدف من خلالها إلى الجمع بين العمل الدبلوماسي والسياسي، وكذا تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في الأقاليم الجنوبية، مستهدفا تعزيز فرص الاستثمار وتوفير فرص العمل للشباب، مما يسهم في تحويل الصحراء إلى قطب اقتصادي واستراتيجي يعزز من مكانة المغرب إقليميا ودوليا. وهذا ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الخطاب السامي الذي وجهه إلى شعبه الوفي بمناسبة الذكرى السابعة والأربعين للمسيرة الخضراء المضفرة، وسجل صاحب الجلالة أن هذا البرنامج التنموي الجديد لمناطق الصحراء المغربية، الذي ترأس جلالة الملك توقيعه في العيون في نونبر 2015، والداخلة في فبراير 2016، قد خصص له غلاف مالي يتجاوز 77 مليار درهم، وجه لتمويل أزيد من 600 مشروع منها مشاريع هامة جدا ومهيكلة، وأكد جلالته أن هذا البرنامج الطموح “يستجيب لانشغالات وتطلعات سكان الأقاليم الجنوبية؛ وتتحمل السلطات المحلية والمنتخبة، مسؤولية الإشراف على تنزيل مشاريعه”
ويقوم النموذج التنموي الجديد لمناطق الصحراء المغربية على ثلاث دعامات هي التجهيزات الأساسية وإعداد التراب الوطني (28 مليار درهم) والبرامج الاقتصادية (46 مليار درهم) والبرامج الاجتماعية بما فيها البرامج الثقافية بحوالي أربعة ملايير درهم. كما يعتمد على محاور رئيسية تهدف إلى تنويع الاقتصاد المحلي، عبر التركيز على تطوير قطاعات متعددة، منها:
– البنية التحتية.
– الاقتصاد المستدام.
– السياحة.
– التنمية البشرية.
– التشغيل ودعم الشباب.
وإذا ما أردنا الحديث عن هذا النموذج التنموي، فستكون الانطلاقة من البنيات التحتية الأساسية بداية ب:
– الطريق السريع تيزنيت-الداخلة. مشروع ملكي ضخم، فقد تم العمل على ربط شبكة الطرق السيارة مع بقية الطرق لمواكبة تنمية الأقاليم الجنوبية، وتقليص زمن الرحلات وتحسين السلامة الطرقية. ويهم هذا المشروع على وجه الخصوص تثنية الطريق الوطنية رقم 1 بين تزنيت والعيون على طول 555 كلم وتوسيع وتقوية الطريق الوطنية رقم 1 بين العيون والداخلة على طول 500 كلم. وتبلغ كلفته الإجمالية 8,5 مليار درهم. وفي هذا الإطار تم الشروع في إنجاز المقطع الطرقي السريع تزنيت الداخلة، والذي رصد له غلاف مالي يقدر ب 1392 مليون درهم.
– وفي إطار تفعيل الإستراتيجية الوطنية المينائية، فقد تم إنجاز موانئ جديدة في إطار قطب موانئ الجنوب، منها ميناء لمهريز المخصص للصيد التقليدي، والميناء الجديد الداخلة الأطلسي سيمكن من خلق تنمية جهوية ووطنية وقارية، وتطوير لقطاع الصيد البحري، ناهيك عما سيحققه من أهداف جيو استراتيجية.
– على مستوى البنية التحتية المائية، تم الشروع في إنجاز السد الكبير “فاسك” على واد الصياد بغلاف مالي يقدر ب 1500 مليون درهم، كما تم الشروع في إنجاز 11 سدا صغيرا.
– تمت برمجة مجموعة من المشاريع في إطار إنتاج الكهرباء بالأقاليم الجنوبية بقوة إجمالية تصل إلى 1338 ميغاواط ونحن هنا نتحدث عن:
إنجاز مشروع توسعة موقع “أخفنير” للطاقة الهوائية ” بقوة 100 ميغاواط، بتكلفة 1992 مليون درهم؛
تشغيل الشطر الأول من مشروع الحقل الريحي لبوجدور أفتيسات 200 ميغاواط.
الحقل الريحي تيسكراد 300 ميغاواط.
إنجاز مشروعي “نور” للطاقة الشمسية بمدينتي العيون وبوجدور بتكلفة إجمالية تقدر ب 1250 مليون درهم بقوة إجمالية تصل إلى 100 ميغاواط، نور العيون بقوة 80 ميغاواط، ونور بوجدور بقوة 20 ميغاواط.
– أما فيما يخص برنامج الماء الصالح للشرب وسائل التطهير تم إنجاز:
مشروع تدعيم مدينة الداخلة بالماء الصالح للشرب بغلاف مالي يقدر ب 250 مليون درهم.
كما تم إنجاز مشرع تدعيم مدينة بوجدور بالماء الصالح للشرب عن طريق تحلية ماء البحر بغلاف مالي يقدر ب 134 مليون درهم.
كما تم إنجاز مشروع التطهير السائل بمدينة الداخلة بغلاف مالي يقدر ب 248 مليون درهم.
أما على مستوى قطاع العدل:
في إطار تأهيل البنية التحتية للمحاكم وتسهيل ولوج المتقاضين إلى مرفق العدالة وتحسين ظروف استقبالهم، تم تخصيص غالف مالي يقدر ر 315 مليون درهم لمشاريع بناء المحاكم بالجهات الجنوبية الثلاث، ومن أهم هذه المشاريع:
– قسم قضاء الأسرة بالعيون.
– المركز القضائي بطرفاية.
– المحكمة الإبتدائية بسيدي إفني.
– المحكمة الإبتدائية بالداخلة.
– المركز الجهوي للحفظ بالعيون بالإضافة إلى مشاريع خاصة بتهيئة وصيانة البنيات الحالية.
أما فيما يخص قطاع الصحة فقد:
فقد بلغت تكلفة المشاريع الصحية حوالي 2462 مليار درهم موزعة كما يلي:
– مشاريع بجهة العيون الساقية الحمراء بتكلفة إجمالية 1،7749 مليار درهم؛
– 12 مشروعا بجهة كلميم واد نون بتكلفة إجمالية قدرها 794،10 مليون درهم.
– 6 مشاريع بجهة الداخلة وادي الذهب بتكلفة إجمالية قدرها 2،642 مليار درهم.
و من جملة هذه المشاريع نذكر:
توسيع المركز الإستشفائي الجهوي بالداخلة ورفع طاقته الإستيعابية إلى 80 سرير، وإحداث 7 اختصاصات جديدة بتكلفة مالية تقدر ب 13 مليون درهم؛
اقتناء خدمات مروحية طبية، و3 وحدات للنقل الطبي الاستعجالي، و11 سيارة إسعاف بإقليم العيون بتكلفة مالية تقدر ب 72 مليون درهم؛
احداث مركز جهوي لتحاقن الدم بإقليم واد الذهب بإقليم واد الذهب؛
بناء المركز االستشفائي اإلقليمي لسيدي إفني 120 سرير؛
بناء المستشفى الجامعي بالعيون 500 سرير؛
إعادة تأهيل المستشفى الإقليمي لطانطان بسعة 120 سرير؛
بناء المركز الاستشفائي الجهوي بݣلميم 250 سرير، مشتمل على مصلحة الأمراض النفسية والعقلية؛
إحداث مركز استشفائي إقليمي بطرفاية بسعة 70 سريرا.
أما فيما يخص قطاع الفلاحة:
فقد تمت برمجة عدة مشاريع فلاحية في إطار تنزيل النموذج التنموي على مستوى الجهات الجنوبية الثلاث:
– فعلى مستوى جهة العيون -الساقية الحمراء تمت برمجة 12 مشروع فلاحي بتكلفة استثمارية تناهز 994 مليون درهم وتهم 600 مستفيد. مكنت من تنفيذ جملة من المشاريع:
تهم الإعداد الهيدروفلاحي للزراعات العلفية،
وإحداث وتهيئة نقط الماء لتوريد الماشية،
وإعداد المسالك القروية
– وعلى مستوى جهة كلميم – واد نون، تمت برمجة 23 مشروع بتكلفة استثمارية تناهز 410 مليون درهم لفائدة 10.800 مستفيد.
مكنت من تنفيذ مشاريع تهم غرس الصبار،
وإحداث وتهيئة نقط الماء لتوريد الماشية،
وإعداد 17 كلم من السواقي
وإحداث 3 وحدات لتثمين منتوجات الزيتون والحليب والعسل
– وعلى مستوى جهة الداخلة – وادي الذهب، تمت برمجة إنجاز 6 مشاريع خلال الفترة الممتدة ما بين 2018-2015 بتكلفة استثمارية تناهز 63 مليون درهم لفائدة 900 مستفيد.
كما تستفيد هذه الجهات الثالث من برنامج تنمية المجالات الرعوية وتنظيم الترحال الذي يهم خلق محميات رعوية، وتنظيم الكسابة، وتنمية سلاسل الإنتاج المرتبطة بالمراعي، بالإضافة إلى تنمية وتطوير السياحة الإيكولوجية، وفتح المسالك لفك العزلة عن ساكنة هذه المناطق الرعوية.
أما فيما يخص قطاع التشغيل:
قدر الغلاف المالي المرصود في إطار الاتفاقيات المتعلقة بتفعيل محور دعم مجال التشغيل بالجهات الثلاث، بما يزيد عن 256 مليون درهم، تهم تنمية البرامج الوطنية لإنعاش التشغيل، وبرامج التشغيل الذاتي ودعم الحركية، وتتوزع، حسب الجهات المستفيدة، كما يلي:
– جهة العيون الساقية الحمراء 122 مليون درهم؛
– جهة كلميم واد نون 68 مليون درهم؛
– جهة الداخلة واد الذهب 65 مليون درهم.
حيث تم تسجيل أرقام مهمة على مستوى الجهات الجنوبية الثلاث منذ بدء البرنامج من 2016 الى نهاية فبراير 2018 تتوزع ما بين:
الإدماج (2875).
والتأهيل (360).
والتشغيل الذاتي (351).
أما فيما يتعلق بالتأهيل الحضري:
فقد رصد لها غالف مالي إجمالي يقدر بحوالي 2130 مليون درهم يهم تأهيل الأحياء ناقصة التجهيز، وذلك من خلال تنفيذ 6 مشاريع بالجهات الجنوبية الثلاث، وقد شارفت بعض الأشغال المندرجة في إطار هذا البرنامج على الانتهاء، كما هو الشأن بالنسبة لمدن كلميم، العيون وسيدي إفني.
في الختام، يمكن القول إن النموذج التنموي الجديد لمناطق الصحراء المغربية يعتبر تجسيدا لرؤية الملك محمد السادس الهادفة إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تلبي طموحات سكان الأقاليم الجنوبية، وتحولها إلى قطب اقتصادي واستراتيجي متكامل. هذا النموذج ليس فقط مشروعا اقتصاديا، بل هو التزام طويل الأمد يهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية واستثمارها بطرق مبتكرة. من خلال التركيز على البنية التحتية، وقطاعات الزراعة والطاقة والسياحة، بالإضافة إلى دعم الشباب وتنمية الموارد البشرية، يساهم هذا النموذج في خلق ديناميكية اقتصادية جديدة تعزز مكانة المغرب على الساحة الإقليمية والدولية، وتؤكد على وحدته الترابية. وبهذا، تعد تنمية الصحراء المغربية خطوة محورية نحو مستقبل زاهر ومزدهر لجميع أبناء المملكة، حيث يتجسد التقدم والازدهار في كل شبر من أراضيها، كما إن هذه الدينامية التنموية المستمرة لا تساهم فقط في تقوية الاقتصاد الوطني، بل تعزز أيضًا من الوحدة الوطنية وتؤكد التزام المغرب بتحقيق تنمية مستدامة تشمل كل مناطق المملكة. بذلك، تواصل الصحراء المغربية مسيرتها نحو مستقبل مزدهر في ظل القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، لتصبح نموذجا يحتذى به في التنمية الإقليمية والإفريقية.