
حين نعود الى بدايات قضية الصحراء ونحاول فهم التعقيدات التي تحيط بها اليوم على المستوى الدولي، نجد ان الماضي الاستعماري يشكل المفتاح الاساسي لفك الكثير من العقد. فالقوى الاستعمارية لم تكتف باحتلال الارض واستغلال الثروات، بل عملت ايضا على اعادة رسم الخرائط وخلق كيانات مصطنعة قصد اضعاف المملكة المغربية وتقليص امتدادها التاريخي والجغرافي.
المغرب ظل عبر قرون كيانا موحدا تحكمه دولة مركزية، وبسط سيادته على الصحراء الكبرى عبر روابط البيعة والولاء والامتداد الديني والثقافي. لكن مع مطلع القرن العشرين، ومع سباق القوى الاستعمارية نحو افريقيا، وجدت فرنسا واسبانيا انفسهما امام كيان مغربي متماسك، فخططتا لتفكيكه وتجزئته عبر اتفاقيات سرية وعلنية. كانت اتفاقية مدريد وتقاسم النفوذ بين باريس ومدريد، ومعها التدخل البريطاني، محطات اساسية في زرع بذور النزاع الحالي.
لقد عمل الاستعمار على سلخ اجزاء واسعة من التراب المغربي وإلحاقها بدول اخرى، فالصحراء الشرقية الحقت بالجزائر بعد استقلالها، بينما موريتانيا صنعت ككيان مستقل رغم ان روابطها مع المغرب كانت اوثق من انكارها. اما الصحراء المغربية فقد وضعت تحت الاستعمار الاسباني الذي حاول ان يقطع صلاتها التاريخية بالمغرب، ليتحول هذا الوضع لاحقا الى نزاع اقليمي استغلته اطراف متعددة.
المفارقة ان القوى الاستعمارية التي ساهمت في تعقيد الملف هي نفسها التي تسعى اليوم الى تقديم دروس في الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير المصير. غير انها تتجاهل ان الاستعمار هو من فجر هذا النزاع عبر تقسيم الارض والتلاعب بالحدود. فالتعامل الدولي مع قضية الصحراء لا يزال متأثرا بتلك الخلفيات الاستعمارية، حيث تستعمل بعض القوى الملف كورقة ضغط سياسية واقتصادية في المنطقة.
ان قراءة منصفة لتاريخ الصحراء لا يمكن ان تتجاهل هذه الحقائق. فالمغرب لم يأت بمطالب جديدة بعد الاستقلال، بل سعى الى استكمال وحدته الترابية التي مزقتها القوى الاستعمارية. واذا كان المجتمع الدولي يريد فعلا حلا عادلا ومستداما، فعليه ان يتحرر من الرواسب الاستعمارية التي مازالت تلقي بظلالها على طريقة تناول قضية الصحراء.
ان الماضي الاستعماري لا يفسر فقط تعقيدات الحاضر، بل يكشف ايضا ان جذور النزاع مصطنعة وليست طبيعية. وبالتالي فإن الحل يكمن في الاعتراف بالحقوق التاريخية للمغرب وطي صفحة التلاعبات التي زرعها الاستعمار، من اجل بناء مستقبل مغاربي متكامل يخدم شعوب المنطقة بدل ان يبقيها رهينة صراعات مفتعلة.




