نستله.. عندما يتحول أطفال الفقراء إلى حقول تجارب غذائية

مرة أخرى، تنفجر فضيحة عالمية تفضح الوجه الحقيقي للشركات المتعددة الجنسيات التي لا ترى في الإنسان سوى زبون أو رقم في ميزان الأرباح. تقرير منظمة Public Eye السويسرية كشف أن شركة نستله تضيف السكر والعسل إلى منتجات موجهة للأطفال في الدول الفقيرة، بينما تحترم المعايير الصحية الصارمة نفسها في أوروبا وأمريكا.
هنا، لا يتعلق الأمر بخطأ عابر أو بسوء تقدير تقني. المسألة أعمق من ذلك بكثير. نحن أمام نموذج فجّ من التمييز الصحي والإنساني بين طفل في برلين وطفل في بانكوك، بين رضيع في جنيف وآخر في جوهانسبورغ. طفل الأول يُعتبر حياة ثمينة تستحق الحماية من السكريات المضافة، أما الثاني فمجرد سوق مفتوح لتصريف البضائع الرديئة، مهما كانت آثارها على صحته ومستقبله.
كيف تسمح شركة تدّعي المسؤولية الاجتماعية لنفسها بانتهاك أبسط المبادئ الأخلاقية في القارات الفقيرة؟ ولماذا تلتزم بالقوانين بدقة في أوروبا، بينما تعبث في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؟ الجواب بسيط وصادم في الوقت ذاته: لأن الرقابة هناك حقيقية، وهنا غائبة أو نائمة.
الأنظمة الرقابية في الدول النامية تبدو كظلٍّ باهتٍ لمؤسساتها، عاجزة عن مواجهة جبروت الشركات العملاقة التي تشتري الصمت وتراكم الأرباح على حساب صحة الأطفال. ومع ذلك، لا يمكن تحميل الشركات وحدها المسؤولية، فصمت الحكومات والمؤسسات الرسمية شراكة صريحة في الجريمة.
هل حياة الأطفال في الجنوب أرخص؟ هل يُقاس الإنسان بمعايير السوق؟ وهل يُعقل أن تكون القوانين صارمة في أوروبا لأنها تدافع عن “مواطن من الدرجة الأولى”، بينما تُترك الأبواب مفتوحة في بلدان أخرى أمام الاستغلال تحت مسمى “التنمية” و“التعاون الاقتصادي”؟
هذه الفضيحة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، لأنها تكشف عن خلل أخلاقي في النظام الاقتصادي العالمي الذي يجعل من الفقر ترخيصا للاستغلال، ومن غياب الرقابة رخصة للقتل البطيء.
آن الأوان لأن ترفع هذه القضية إلى مستوى سياسي وأممي، لأن الأمر لا يخص “نستله” وحدها، بل منظومة كاملة تجعل من الطفل في العالم النامي ضحية لمعادلة غير عادلة: كلغرام من الأرباح مقابل غرام من السكر في جسد ضعيف.




