مهرجان EXIT في مهب الريح: حين تتحوّل الثقافة إلى هدف سياسي في صربيا

في قلب مدينة نوفيساد الصربية، وعلى ضفاف نهر الدانوب، كان مهرجان “EXIT” يُعتبر لعقود قلعةً من قلاع الحرية الموسيقية والفكر الشبابي المنفتح. لكن هذه الصورة بدأت تتصدّع. ففي تطور مثير، أعلن القائمون على المهرجان أن دورة 2025 ستكون الأخيرة في صربيا، بعد ما وصفوه بـ”الضغوط السياسية غير الديمقراطية” من جانب الحكومة.
مهرجان EXIT، الذي انطلقت أولى دوراته سنة 2000 كحركة طلابية احتجاجية ضد نظام ميلوشيفيتش، تطوّر ليُصبح حدثًا دوليًا يستقطب مئات الآلاف من الزوار من أكثر من 80 دولة، جامعًا بين الموسيقى والثقافة وحرية التعبير. لكن جذوره السياسية لم تختفِ يومًا، بل عادت إلى الواجهة مؤخرًا، بعد دعمه العلني لاحتجاجات طلابية تطالب بمحاسبة مسؤولين حكوميين عقب حادثة انهيار محطة للسكك الحديدية في نوفيساد العام الماضي.
الرد الحكومي لم يتأخر. فقد تم سحب دعم مالي سنوي يُقدّر بمليون ونصف يورو، كانت تُستخدم للمحافظة على أسعار التذاكر منخفضة وضمان تنظيم المهرجان بمستوى عالمي. هذا القرار، بحسب إدارة المهرجان، “لا يمكن قراءته إلا كعقاب سياسي”، وجعل استمرار التظاهرة في صربيا “غير ممكن من الناحية الأخلاقية والمادية”.
المهرجان لم يكن فقط ضحية لصراع سياسي داخلي، بل أصبح رمزًا لانقسام عميق بين رؤية شعبية منفتحة تدافع عن حرية التعبير، وسلطة سياسية متوجسة من كل ما يخرج عن السيطرة. الاحتجاجات التي دعمها المهرجان لم تكن ثانوية: طلاب، فنانين، ومثقفين احتشدوا في الفضاء العام لمساءلة الفساد، وEXIT أفسح لهم المنصة.
الآن، تتجه الأنظار إلى مستقبل المهرجان. إدارة “EXIT” أعلنت أنها تبحث عن موقع بديل لدورة 2026، قد يكون في ألمانيا، أو في إحدى دول البلقان المجاورة، وربما حتى في بلد عربي مثل مصر، في إشارة إلى اتساع خريطة الحلفاء الثقافيين خارج المجال الجغرافي التقليدي.
رحيل المهرجان من صربيا سيكون خسارة مزدوجة: ثقافيًا، ستُحرم البلاد من إحدى أبرز فعالياتها الدولية، واقتصاديًا، سيُفقدها عائدات سياحية ضخمة. لكنه في الوقت نفسه، يُكرّس تحوّلاً أوسع في المنطقة، حيث لم تعد الثقافة محايدة، بل أضحت ساحة معركة بين الصوت الحر وممارسات التقييد السلطوي.
في زمن تزداد فيه الرقابة وتضيق فيه مساحات التعبير، يبقى EXIT حالة نادرة يُكتب لها أن تُغادر مهدها الأول، لا هربًا من الجمهور، بل وفاءً له.