المغرب

من قبة البرلمان إلى منابر الفوضى.. حين يتحول السياسي إلى نموذج للأزمة الأخلاقية والفكرية

أثار البرلماني احمد التويزي جدلا واسعا بعد أن وصف المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، بـ”المحامي الفاشل”، خلال ندوة بآيت ورير، في سلوك وُصف بالمهين والمشين، لا يليق بعضو مؤسسة تشريعية يفترض فيها أن تكون منبرا للنقاش الراقي والمسؤول.

هذا السلوك، الذي تجاوز حدود الاختلاف إلى منطق التهجم الشخصي، يكشف عمق الأزمة التي يعيشها جزء من النخبة السياسية بالمغرب، والتي لا تزال تتعامل مع النقاش العمومي بعقلية العصبية والانفعال، لا بعقلية الحوار الديمقراطي والاحترام المتبادل.

حين يهاجم برلماني من يفترض أنه فاعل مدني يناقش قضايا الفساد والمال العام، فإن الأمر لا يتعلق فقط بزلة لسان، بل بخلل بنيوي في تكوين بعض السياسيين، الذين وصلوا إلى المؤسسات التمثيلية دون أن يمتلكوا الحد الأدنى من الثقافة السياسية أو الوعي بالدور الأخلاقي للمسؤول العمومي.

إن ما حدث في آيت ورير لا يمكن فصله عن واقع الانحدار العام في الخطاب السياسي، حيث أصبح التهريج والسب والشخصنة أدوات مألوفة في المجال العام، بدل النقاش الهادئ والاحتكام إلى الحجة والمنطق. وهو مؤشر خطير على هشاشة التربية السياسية وضعف التأهيل الذي يفترض أن يميز ممثلي الأمة.

البرلمان، الذي كان يوما فضاء لتصادم الأفكار والمشاريع، صار اليوم في نظر جزء من المواطنين مرادفا للمشاحنات والمصالح الضيقة، لأن كثيرا من المنتخبين صعدوا إليه عبر منطق الزبونية لا عبر الكفاءة أو التجربة الفكرية والسياسية.

الحادثة الأخيرة تطرح سؤالا جوهريا: ما الذي يجعل بعض السياسيين يعجزون عن احترام خصومهم؟ أهو ضعف في التكوين؟ أم غياب في الوعي بمسؤولية الكلمة والموقع؟ أم أن بعض الأحزاب لم تعد ترى في الترشح سوى وسيلة لتوزيع الامتيازات لا لتأطير المجتمع؟

مهما تكن الإجابة، فإن ما جرى ليس حدثا معزولا، بل مرآة لأزمة أعمق في البنية السياسية المغربية، حيث تراجع مستوى الخطاب، وضعفت قيم النقاش، وغابت المدرسة الحزبية التي كانت تصنع مناضلين مثقفين لا مجرد باحثين عن مقاعد.

إن الديمقراطية لا تبنى بالصناديق وحدها، بل بتكوين سياسي وأخلاقي يجعل من الممثل البرلماني قدوة في السلوك والنقاش، لا مصدر إحراج للمؤسسة التي ينتمي إليها. وما لم تُستعد هيبة السياسة عبر ربط التمثيل بالكفاءة والقيم، فستظل مثل هذه السلوكيات تتكرر، لتؤكد أن أزمة السياسة في جوهرها أزمة إنسان قبل أن تكون أزمة نظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى