منشور الحكومة حول العرض الوطني لترحيل الخدمات… بين الطموح والتحفظات

أصدر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، منشورًا يطلق مرحلة جديدة من العرض الوطني لترحيل الخدمات، مع التركيز على التحفيز المالي المباشر كأداة لتشجيع خلق فرص الشغل وتعزيز تنافسية المملكة في إطار رؤية المغرب الرقمي 2030. المبادرة تهدف بوضوح إلى دعم المقاولات في قطاع الخدمات الرقمية وتأهيل الموارد البشرية الوطنية، عبر منح مالية مباشرة تصل إلى 17 بالمئة من الدخل السنوي لكل منصب شغل جديد ومستدام، شرط ألا تقل مدة استقرار الأجير في المنصب عن ثمانية عشر شهرًا، إضافة إلى إعادة هندسة منحة التكوين بنسبة 3.5 بالمئة من الدخل السنوي لتحسين مهارات الكفاءات الوطنية.
ويعكس المنشور إدراك الحكومة لأهمية تبسيط الإجراءات الإدارية، عبر الحفاظ على مبدأ الشباك الوحيد داخل المنصات المندمجة الذي يضم ممثلي المراكز الجهوية للاستثمار والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات والجهة المدبرة للمنصة، بهدف تسريع الاستفادة من الدعم وتحفيز المستثمرين، بما يعزز التنافسية والشفافية في إدارة المشاريع. كما ركز المنشور على إعادة هيكلة لجنة القيادة واللجنة التقنية لترحيل الخدمات، مع إسناد رئاسة اللجنة التقنية للسلطة الحكومية المكلفة بالانتقال الرقمي وإدراج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ضمن عضويتها، ما يعكس اهتمامًا بالرقابة والحكامة لضمان حسن تطبيق البرنامج.
مع ذلك، يحمل المنشور تحديات كبيرة على صعيد التطبيق العملي، إذ يتركز الدعم المالي بشكل كبير على التحفيزات المباشرة، ما قد يشجع الوظائف قصيرة الأمد أكثر من تعزيز استدامة القطاع الرقمي على المدى الطويل، خاصة إذا لم ترافقه سياسات شاملة لتطوير الكفاءات ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة خارج المنصات المندمجة. كما أن نجاح الحوافز الجبائية يعتمد على وجود آليات متابعة دقيقة لضمان استفادة جميع المقاولات وعدم تركز الفوائد في شركات كبيرة فقط، ما قد يخلق فجوات بين الجهات والمستثمرين.
وبالرغم من الطموح الظاهر للمبادرة، يبقى السؤال حول قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة على مستوى التشغيل وجودة الكفاءات، خصوصًا مع غياب مؤشرات قياس واضحة لأثر هذه الحوافز على المدى المتوسط والبعيد. كما أن تكاليف التطبيق ومدى استدامة التمويل يمثلان تحديًا يجب مراقبته لضمان عدم الإضرار بالميزانية العامة أو بقدرة الدولة على دعم برامج أخرى استراتيجية.
في المجمل، يمثل منشور رئيس الحكومة خطوة مهمة نحو تعزيز العرض الوطني لترحيل الخدمات وتطوير قطاع الخدمات الرقمية، ويعكس رغبة واضحة في دمج التحفيز المالي والتكوين والحوكمة في منظومة واحدة. لكنه يبقى معرضًا لبعض المخاطر المرتبطة بالتركيز على التحفيزات المباشرة، وعدم وضوح آليات التطبيق والتقييم، ما يستدعي مراقبة دقيقة لضمان تحويل المبادرة إلى منصة فعلية لخلق فرص العمل المستدامة وتعزيز التنافسية الوطنية.




