مشروع قانون جديد لتنظيم مهنة العدول… خطوة نحو تحديث التوثيق وترسيخ الأمن التعاقدي

في خطوة تشريعية تُعد من أبرز محطات إصلاح منظومة التوثيق بالمغرب، تداول مجلس الحكومة وصادق على مشروع القانون رقم 16.22 المتعلق بتنظيم مهنة العدول، وهو مشروع قدّمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بعد إدراج الملاحظات المثارة داخل المجلس. ويأتي هذا النص في سياق وطني عام يتجه نحو تحديث الإطار القانوني للمهن القضائية وتعزيز شروط النزاهة والشفافية وضمان الجودة في خدمات التوثيق.
منذ سنوات، كان واضحاً أن الإطار القانوني الحالي، المنظم بمقتضى القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة (2006)، لم يعد يستجيب للتحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي على مستوى المعاملات، واتساع رقعة الوثائق التعاقدية، وارتفاع الطلب على خدمات توثيقية أكثر دقة ومرونة، خصوصاً في ظل التوجه نحو رقمنة الإدارة وتطوير الاقتصاد التعاقدي.
ويحتل العدل موقعاً محورياً في منظومة العدالة، وهو ما شدد عليه البلاغ الحكومي، إذ لا تقتصر مهامه على تحرير العقود وتوثيق المعاملات، بل تتجاوز ذلك إلى الحفاظ على الأعراض والأنساب وضمان الأمن التوثيقي ومنع النزاعات قبل وقوعها. فمرحلة التوثيق أصبحت، اليوم، خط الدفاع الأول ضد الاحتيال، وضد سوء التأويل، وضد المساطر القضائية الطويلة التي تستنزف الزمن والمال.
ويتميّز مشروع القانون الجديد بمجموعة من المستجدات التي تعكس إرادة الدولة في جعل مهنة العدول مواكبة للعصر، وفي مقدمتها:
أولاً: تحديث شروط الولوج إلى المهنة
انسجاماً مع التوصية رقم 11 من الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ينص المشروع بوضوح على فتح باب الولوج أمام المرأة المغربية لممارسة المهنة، مواكبةً للتوجيهات الملكية الداعمة للمساواة وتوسيع حضور المرأة في القضاء ومؤسسات التوثيق. هذا التحول ليس شكلياً، بل يعكس انفتاح المهنة على كفاءات جديدة وخبرات قادرة على تعزيز ثقة المواطن في الوثيقة العدلّية.
ثانياً: ضبط الحقوق والواجبات المهنية
يسعى المشروع إلى تعزيز قواعد الممارسة المهنية عبر تحديث منظومة الحقوق والالتزامات، سواء فيما يرتبط بطريقة تلقي الشهادات، أو بصياغة العقود، أو بضمانات الممارسة الأخلاقية التي تحمي المتعاملين من أي انحراف مهني محتمل.
ثالثاً: تنظيم شهادة اللفيف
تعد شهادة اللفيف، التي طالما شكلت آلية لاستكمال الإثبات في كثير من الحالات، من المجالات التي تحتاج إلى التقنين الصارم. المشروع يقترح وضع قواعد جديدة تضبط هذه الشهادة وتحاصر إمكانية سوء استعمالها، لضمان مصداقيتها وتقليل النزاعات المرتبطة بها.
رابعاً: تحديث طرق حفظ العقود وتدبير السجلات
في ظل التحول الرقمي، تقترح النصوص الجديدة تنظيم عملية حفظ العقود وتسيير السجلات بطرق حديثة، مع ضمان حق الحصول على النسخ في ظروف مؤطرة قانونياً وشفافة، بما ينسجم مع حق المرتفقين في الولوج إلى المعلومات التوثيقية دون تعقيد أو تأخير.
خامساً: هيكلة الهيئة الوطنية للعدول
يعمل المشروع أيضاً على تعزيز استقلالية ومهنية الهيئة الوطنية للعدول، عبر مراجعة بنياتها وأجهزتها، حتى تصبح فاعلاً تنظيمياً حقيقياً قادراً على مراقبة المهنة، وتطوير تكوين العاملين فيها، وتمثيلهم بشكل فعّال أمام المؤسسات.
إن مشروع القانون رقم 16.22 لا يأتي فقط في إطار تحيين نص قانوني، بل بوصفه ورشا إصلاحياً أكبر يعيد رسم الحدود المهنية والأخلاقية والتنظيمية لمهنة التوثيق العدلي، في أفق جعلها أكثر قدرة على حماية الحقوق، وأكثر انسجاماً مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها المغرب.
ومع دخول هذا النص مرحلة النقاش البرلماني، سيكون الرهان الأكبر هو تحقيق توازن بين المحافظة على العمق الشرعي والتاريخي للمهنة، وبين تحديث آلياتها بما يخدم ثقة المواطن ويضمن أمنه التوثيقي والتعاقدي في عالم يزداد تعقيداً وتنوعاً.




