
شهدت احدى القرى التابعة لمدينة تاونات خلال الايام الاخيرة مسيرة احتجاجية غير مسبوقة، حيث خرج العشرات من الساكنة في مسيرة على الاقدام متجهة نحو مدينة فاس، رافعين شعار العطش ورافضين استمرار معاناتهم مع غياب الماء الصالح للشرب. لكن قبل بلوغ وجهتهم تم اعتراضهم من طرف السلطات المحلية وعناصر القوات المساعدة، وهو ما ادى الى وقوع مشادات بين الطرفين زادت من حالة الاحتقان والغضب.
هذه الواقعة ليست سوى تجل صارخ لازمة الماء التي تعرفها مناطق واسعة من تاونات وغيرها من الاقاليم، حيث مازالت الساكنة تعاني من عطش يذكرها بزمن الجفاف والقحط، في حين ان المغرب ينفق ميزانيات ضخمة على مشاريع كبرى دون ان يضمن ابسط حق للمواطن: جرعة ماء نظيف.
ان منطق تحميل الساكنة وحدها مسؤولية الاحتجاج واعتبار خروجها تهديدا للنظام العام، هو قلب للمعادلة. فالاجدر هو ان توجه الاصابع نحو الوزير المكلف بقطاع الماء، والى المسؤولين الترابيين والاقليميين الذين يتابعون الملفات من مكاتب مكيفة دون ان ينزلوا الى الميدان لمعاينة حجم المعاناة. المحاسبة الحقيقية يجب ان تنطلق من اعلى هرم المسؤولية القطاعية، لان ترك الوضع على حاله لن يؤدي سوى الى اتساع الهوة بين الدولة والمواطن.
ان ما وقع بتاونات يطرح سؤال الحكامة في تدبير الموارد المائية، ويدق ناقوس الخطر بخصوص غياب حلول عملية ومستدامة. فالماء ليس ترفا، ولا مطلبا ثانويا يمكن تجاهله، بل هو عصب الحياة وضمانة للاستقرار.
لقد اخطأ من تعامل مع احتجاج الساكنة بعقلية امنية صرفة، لان المشكل اجتماعي وتنموي في جوهره، ولن يحل الا بارادة سياسية واضحة تضع الكرامة الانسانية فوق كل اعتبار. فهكذا فقط يمكن ان نحافظ على السلم الاجتماعي ونمنع تكرار مثل هذه المشاهد التي تسيء لصورة البلاد.
ماهكذا تورد الابل يا سعد، فالعطش لا يواجه بالهراوات، وانما بالحلول العاجلة والواقعية، وبمحاسبة كل من قصر في اداء واجبه تجاه المواطنين.