مستقبل النخب السياسية المغربية: إنقسامية أم سوسيولوجية؟

د.أحمد درداري
يعتبر النسق السياسي المغربي مختبرا لتجارب عدة نظريات و حقول المعرفية ، لكون المغرب من البلدان التي اصطدمت بالمستعمر واستوردت الكائن السياسي في إطار التحديث انطلاقا من النصف الثاني من القرن العشرين، وقد عمل عدد من الباحثين على ربط النظريات السوسيولوجية ببنية المجتمع السياسي المغربي قياسا على المجتمعات الغربية. لكن طبيعة المجتمع القبلية واجهتها صعوبات الانسلاخ أو الفصل او الجمع بين البنى التقليدية والبنى السياسية بالمفهوم المستورد التي تتعارض مع العلاقات القبلية والعشائرية والعادات التي تحكمها القرابة وروابط الزيجات والعزوة… فكان موضوع السوسيولوجيا غير فاعل منذ ولادته في أحضان الاستعمار، لكونها درس الإنسان البدائي أو الماقبل رأسمالي ولم يتوفق في نقله كليا إلى الحداثة السياسية …
وعليه فان النظرية الإنقسامية التي حاول الباحث الامريكي جون واتربوري تطبيقها في دراسته لسلوك وثقافة النخبة السياسية المغربية غداة الاستقلال . وان حاولت تفسير المجتمع القبلي، لكنها لم تتم بالفعالية المطلوبة و بقيت موضع نقاش قائم الى اليوم.
فاذا كان المنهج الانقسامي تاريخيا ظهر مع ابن خلدون، و كنظرية ظهرت مع السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركايم، الذي تحدث عن الطبقية والتضامن الآلي محاولا إبراز المساواة بديلة عن القبلية، واعتبر دوركايم أول من تحدث عن المجتمعات الانقسامية حيث وصف التضامن الاجتماعي بأنه سمة القبيلة، أما الفردانية والرأسماية فهما وجهي الليبرالية في شكلها الأنضج إلا انها تفتقر للتضامن.
وهناك من حاول تفسير أسس استقرار المجتمع القبلي، و ربط غياب نموذج للانسجام و الإنتاجية بغياب سلطة مركزية تضمن الاستقرار وتعيد إنتاجها تلقائيا في المجتمع القبلي.
وان الإنشطار والإنصهار القبلي الذي يرتبط بالتشابه والتباين أو التجانس واللاتجانس، فهو يتمحور حول تقديس الجد المشترك و رابطة الدم التي تشكل الأساس الأول للتضامن الاجتماعي، وحينما يحدث التوتر والصراع المستمر يؤدي الى الإنشطار والبحث عن الاستقلال بحثا عن السلطة والنفوذ والموارد.
فالقبيلة هي أرقى تنظيم اجتماعي وسياسي يرتبط بالمجتمعات القروية.
و النظرية الانقسامية اصطدمت بالقانون الذي غير طريقة فض النزاعات وفصل التماسك البنيوي للمجتمع القبلي، متوخيا الحفاظ على الأمن والاستقرار.
وحسب دراسة الباحث الامريكي جون واتربوري الذي تواجد بالمغرب في منتصف الستينات من القرن العشرين ، حيث تناول في كتابه أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية المغربية، مستلهما من النموذج الإنقسامي، و توصل إلى أن حالة المغرب نموذجية للدراسة والتعميم على مجتمعات مشابهة. وان انقسامية المجتمع المغربي تخضع في انتمائها إما لقبيلة ما أو لدين ما أو لمجال جغرافي كالقرية أوالمدينة، بل ان النظام السياسي المغربي يدمج القبائل ضمن إطار اللعبة السياسية وتوازن المصالح، و يعتبر الدين كأداة لتبرير السياسات ، وما يزال العلماء وصلحاء الزوايا والشرفاء يحتلون موقعا مهما ضمن النسق السياسي والاجتماعي المغربي.
بينما الأحزاب والنقابات، فتم حصر دورها في الدفاع عن المصالح والمشاركة في الحكم والبحث عن الموارد مما يجعلها ليبرالية اكثر منها تقليدية. لكن الواقع ما يزال متأثر بالسلوك التقليدي في المجالين الاجتماعي والسياسي، رغم مظاهر التحديث والعصرنة المتمثلة في وجود الاحزاب والنقابات. مما أبقى الاحزاب السياسية في وضعية عجز دائم. بحكم ان منطق العمل السياسي غير جذاب و غير ملتزم وغير ثابت، وتسري عليه مقولة فرق لكي لا تحكم، لذا بحكم أن الملك يبقى فوق الأحزاب و يتعالى على المصالح وله دور التحكيم، وتفرد بضمان استقرار النسق السياسي والاجتماعي.
و السلطة والنفوذ والجاه التي تنتجها الانقسامية القبيلة كتنظيم اجتماعي يبين ان النخب السياسية المغربية تتشابه تصرفاتها السياسية مع سلوكات القبلية ضمن النسق التقليدي وان أوجه الشبه بين النخب الحزبية و الانقسامية القبلية أُسيء فهمها، واليوم تحتاج إلى تجديد آليات اشتغالها بناء على تغيير عقليات و سلوك النخبة السياسية في علاقتها بوظيفته المحافظة على استقرار واستمرارية النظام السياسي ، وتجنب التوتر المهدد لتوازنه.