” مدوز الحبس “.. نظرة المجتمع المغربي أقسى من العقوبة

أمينة أوسعيد
تحمل الحياة في بعض الأحيان مفاجآت من العيار الثقيل. تخبئها بإحكام بين أجنحة الأيام وتشهرها بطريقة غير متوقعة بتوقيت الكارثة. هي لحظة واحدة فقط، كفيلة أن تقلب الموازين كلها. فيصبح الحر سجينا والبريء مدانا والتهمة تابثة باسم القانون والعقوبة محددة طبقا للفصول.
خلف الأبواب الحديدية الموصدة تعاد الحسابات، وعلى مائدة الفراغ القاتل ترتب الأوراق المبعثرة، وقد تبعث الروح من جديد في ضمير ميت يَعِدُ الحياة أن يستقيم عندما يغادر أسوار السجن.
ثم تأتي تلك اللحظة المرتقبة طوال شهور وسنوات، تمشي على استحياء؛ فيعانق السجين حريته عند باب السجن ويشق هواؤها البارد رئتيه. يحمل حقيبة ذكريات السجن المظلمة فوق كتفيه كصخرة “سيزيف” كلما أراد أن يصعد سلم الحياة أعادته إلى نقطة البداية. ويتخوف من نظرة المجتمع المغربي التي تكون في بعض الأحيان أقسى من العقوبة.
لكن بفضل دعم العائلة والأصدقاء المقربين يستطيع السجين تفتيت هذه الصخرة وبناء حياة جديدة مستقلة عن الماضي الذي ارتكب فيه حفنة من الأخطاء قادته إلى بوابة السجن. وينصهر داخل المجتمع ويندمج بين مكوناته. خصوصا أن الدولة هيأت كل الظروف للسجين الذي يقطع مع سبل الانحراف، لمتابعة دراسته داخل المؤسسات السجنية والحصول على شواهد جامعية وديبلومات مهنية تفتح له أفاق واسعة في الحصول على منصب شغل يغنيه عن تسول الصدقات من المقربين. كما تتيح فرصة رد الاعتبار التي يخولها القانون للسجين بعد مرور خمس سنوات من انقضاء العقوبة السجنية في تنظيف سجله العدلي وإشراكه في الوظيفة العمومية كمواطن صالح استخلص العبر من تجربة السجن.
وبكثير من الحب الذي يجب أن يغمر به السجين. يمكن أن يبدأ صفحة ناصعة البياض رفقة شريكة العمر ويكون رب أسرة مسؤول يعتمد عليه. كما يساهم تقبل المجتمع له كسجين سابق قضى عقوبة سجنية لأي سبب من الأسباب في جعله نسخة أفضل عن نفسه السابقة وعضو فاعل داخل المجتمع.