مدرعات تُصنَّع في المغرب: خطوة هادئة نحو استقلالية دفاعية متقدمة

بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، يشهد المغرب تحولًا استراتيجيًا عميقًا في مقاربته للسيادة الدفاعية، عنوانه الأبرز: الانتقال من منطق الاستيراد إلى منطق التصنيع. في هذا السياق، تسلّمت القوات المسلحة الملكية أولى العربات المدرعة القتالية من طراز WhAP 8×8، والتي تم تصنيعها داخل التراب الوطني، بوحدة صناعية حديثة بمدينة برشيد.
هذه الخطوة لا يمكن قراءتها فقط كتعزيز للعتاد العسكري، بل كإعلان عملي عن دخول المغرب مرحلة جديدة في بناء منظومته الدفاعية، حيث لم يعد الاكتفاء بشراء السلاح كافيًا في عالم تحكمه سلاسل توريد معقدة، واعتبارات جيوسياسية متقلبة.
المصنع الذي أشرفت على إنجازه شركة Tata Advanced Systems الهندية، لا يمثل مجرد استثمار صناعي، بل لبنة أولى في مشروع أوسع يقوم على نقل المعرفة، وتوطين التكنولوجيا، وخلق نواة صناعية عسكرية مغربية قادرة على التطور الذاتي. فاختيار المغرب كشريك صناعي لم يأت من فراغ، بل يعكس ثقة متزايدة في الاستقرار السياسي، والبنية التحتية، والموارد البشرية المؤهلة.
المدرعة WhAP 8×8، التي تم تطويرها لتلائم البيئات القتالية المعقدة، توفر مزيجًا متقدمًا من الحركة العالية، والحماية المدرعة، والمرونة العملياتية، ما يجعلها مناسبة لمهام متعددة، من الانتشار السريع إلى العمليات الدفاعية المتقدمة. لكن الأهم من خصائصها التقنية، هو كونها تُصنَّع داخل المغرب، وبمكونات محلية متزايدة.
المعطيات المتوفرة تشير إلى أن نسبة الإدماج المحلي انطلقت من مستوى مهم، مع أفق واضح لرفعها تدريجيًا، وهو ما يعني أن المشروع لا يقتصر على التجميع، بل يستهدف بناء سلسلة إنتاج حقيقية، تشمل التكوين، والمناولة، وتأهيل موردين وطنيين، وخلق فرص عمل ذات قيمة مضافة عالية.
في العمق، يعكس هذا التوجه وعيًا استراتيجيًا بأن الأمن الوطني لم يعد يُقاس فقط بعدد القطع العسكرية، بل بمدى التحكم في قرار إنتاجها وصيانتها وتطويرها. كما يضع المغرب في موقع مختلف داخل محيطه الإقليمي، ليس كمستهلك للسلاح فقط، بل كدولة تسعى إلى امتلاك أدوات القوة الصلبة بعقل صناعي طويل النفس.
إن تصنيع المدرعات على الأراضي المغربية ليس نهاية الطريق، بل بدايته. وهو مؤشر على أن المملكة تخطو، بثبات ودون استعراض، نحو نموذج دفاعي أكثر استقلالية، حيث تصبح الصناعة جزءًا لا يتجزأ من معادلة السيادة، وليس مجرد تفصيل تقني في هامش السياسة الأمنية.




